إدارة الحرب في فكر الإمام علي(ع).. صفّين انموذجا

معارك صفين

الحاج حسن الظالمي

لمّا لم تنجح كل محاولات الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) السلمية في إقناع معاوية بالعدول عن الخروج عن طاعته ورد الرسل والرسائل التي بعثها الإمام اليه، التي ضمّنها فضله وسابقته في الإسلام وقرابته من الرسول صلى الله عليه واله واحقيته بالخلافة بمبايعة أهل الحل والعقد له وانه قد بايعه الذين بايعوا أبا بكر وعمر واثباته براءته من دم عثمان ومحاولته دفع القتل عنه، لما لم تنجح كل تلك المحاولات كانت النتيجة التي حاول الإمام(عليه السلام) تجنبها ما أمكنه ذلك هي الحرب وإراقة دماء المسلمين وتشتيت شملهم واضعاف قوتهم، وهو ما أراده معاوية وأركان حزبه.
فلما كان ذلك أعدّ(عليه السلام) للحرب عدتها وهيأ أسباب الانتصار فيها ووضع الخطط العسكرية التي تؤمن النجاح فيها، ويمكن ان نتلمس ذلك في الفقرات التالية:

تبصير جيشه بصحة موقفهم وبطلان موقف عدوهم:
قام الإمام بتعبئة جيشه للمعركة، فبدأ بتبصيرهم بأنهم على حق وان عدوهم على باطل ليجعلهم على حقيقة من أمرهم، فخطب فيهم قائلا: (وقد عهد إليّ رسول الله(صلى الله عليه واله) عهدا فلست أحيدُ عنه، وقد حضرتم عدوكم، وعلمتم أن رئيسهم منافق يدعوهم إلى النار، وابن عم نبيكم معكم وبين أظهركم يدعوكم إلى الجنة وإلى طاعة ربكم، والعمل بسنة نبيكم، ولا سواء من صلى قبل كل ذكر لم يسبقني بصلاة مع رسول الله أحد.. ومعاوية طليق، والله إنا على الحق وإنهم على الباطل)(1).
وقال(عليه السلام) وهو يبصّر جيشه بمن يقاتلون: (ونحن سائرون إن شاء الله إلى من سفه نفسه، وتناول ما ليس له وما لا يدركه معاوية وجنده، الفئة الطاغية الباغية، يقودهم إبليس، ويبرق لهم ببارق تسويفه)(2).
وقال يصف جيش معاوية: (جفاة طغام، وعبيد أقزام، جمعوا من كل أوب، وتلقطوا من كل شـــــــوب ممن ينبغي أن يفقه ويؤدب، ويعلم ويُدرب)(3).
حث اصحابه على القتال والصبر عند اللقاء:
بعد أن بيّن امير المؤمنين(عليه السلام) لجيشه حقيقة عدوهم وضلالة نهجهم، راح يحث اصحابه على القتال ويشجعهم على المنازلة، ويدعوهم للثبات، ويبصّرهم بسوء العاقبة إن هم تركوا مواقعهم، فخطبهم مرة فقال: (أيها الناس استعدوا لقتال عدوٍ في جهادهم القربة إلى الله عز وجل، قوم حيارى عن الحق لا يبصرونه، جفاة عن الكتاب، فأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل، وتوكلوا على الله)(4).
وقال(عليه السلام) وهو يحث أصحابه على السير الى أعدائهم: (سيروا الى أعداء الله، سيروا إلى أعداء القرآن، سيروا إلى بقية الأحزاب وقتلة المهاجرين والأنصار)(5).
وقال(عليه السلام) وهو يعاتب قوما تركوا مواقعهم في الحرب: (وقد رأيت جولتكم وانحيازكم عن صفوفكم، تحوزكم الجفاة الطغام، وأعراب أهل الشام، وأنتم لهاميم العرب، ويآفيخ الشرف والأنف المقدم، والسنام الأعظم، وقد شفى وحاوح صدري أن رأيتكم بآخره تحوزونهم كما حازوكم، وتزيلونهم عن مواقفهم كما أزالوكم، حسا بالنضال، وشجرا بالرماح، تركب أولاهم أخراهم، كالإبــــــل الهيم المطرودة)(6).
وقال وهو يرشد أصحابه إلى فنون القتال: (معاشر المسلمين استشعروا الخشية وتجلببوا السكينة، وعضوا على النواجذ، فإنه أنبى للسيوف عن الهام، وأكملوا اللامة، وقلقلوا السيوف في أغمادها قبل سلها، والحظوا الخزر، واطعنوا الشزر، ونافحوا بالظبا، وصلوا السيوف بالخطا، واعلموا أنكم بعين الله، فعاودوا الكر واستحيوا من الفر، فإنه عار في الأعقاب ونار يوم الحساب، وطيبوا عن أنفسكم نفسا، وامشوا إلى الموت مشيا سجحا، وعليكم بهذا السواد الأعظم، والرواق المطنب (يعني رواق معاوية) فاضربوا ثبجه، فإن الشيطان كامن في كسره، فصمدا صمدا حتى ينجلي لكم عمود الحق(7).
وقال(عليه السلام) وهو يعيّن مواقع جيشه ويعلمهم فنون الحرب: (فسوّوا صفوفكم كالبنيان المرصوص، وقدموا الدارع، وأخّروا الحاسر، وعضّوا على الأضراس، فإنه أنبى للسيوف عن الهام، وأربط للجأش، وأسكن للقلوب، وأميتوا الأصوات فإنه أطرد للفشل، وأولى بالوقار، والتووا في أطراف الرماح، فإنه أموَر للأسنة، ورايتكم فلا تميلوها ولا تزيلوها، ولا تجعلوها إلا بأيدي شجعانكم المانعي الذمار)(8).
ومرّ بأهل راية من جيش معاوية فرآهم لا يزولون عن موقفهم، فحرّض جيشه عليهم قائلا: (إن هؤلاء لن يزولوا عن مواقفهم دون طعن دراك يخرج منه النسم، وضرب يفلق منه الهام ويطيح العظام وتسقط منه المعاصم والأكف وحتى تصدع جباههم بعمد الحديد وتنتثر حواجبهم على الصدور والأذقان أين أهل النصر أين طلاب الأجر)(9).
القائد والقدوة:
مرت أيام معركة صفين منذ الأول من صفر حتى العاشر منه ثقيلة على الجيشين وهما بين كر وفر يراوحان مكانهما، ثم كانت ليلة الهرير التي اشتهرت بكثرة من قتل فيها، ومالت كفة الحرب لصالح جيش الامام علي(عليه السلام) والإمام يكر على الصفوف فيضرب فيهم ويكبّر عند قتله أحد الأعداء حتى أحصوا له خمسمائة مرة يقول فيها الله أكبر، فهو بين صفوفهم وفي المقدم منها، ذلك لان الامام(عليه السلام) لم يكن ينظّر لأتباعه فحسب، بل كان يعطيهم الامثلة الحية من سلوكه، فيطبق بنفسه كل ما يأمرهم به.
هكذا كانت قيادة الإمام لجيشه فهو بينهم كأحدهم وهو الخليفة والقائد العام والإمام لم ينأ بنفسه عنهم طرفة عين ولم يحرص على نفسه دون حرصه على نفوسهم وأرواحهم فكانت هي القيادة الحقة على مر العصور.

——————————————–
الهوامش:
1. شرح نهج البلاغة: 3/155.
2. جمهرة خطب العرب، أحمد زكي: 1/349.
3. شرح نهج البلاغة: 1/125.
4. نهج البلاغة، صبحي الصالح: 578.
5. شرح نهج البلاغة: 1/348.
6. جمهرة خطب العرب: 1/344.
7. نهج البلاغة: 265.
8. جمهرة خطب العرب: 1/347.
9. ن.م: 1/348.

 

نشرت في مجلة الولاية العدد 73

مقالات ذات صله