معالم حكومة الرسول الاعظم

big3

طالب شبر

بُعث خاتم الأنبياء، فاحدث بجهوده العظيمة اكبر تغيير يمكن ان تشهده البشرية على المستويات كافة، فعلى الرغم من أنه جاء في قلب امة تقدس الحجارة وتئد البنات، لا ترى العيش إلا على السلب والنهب، ولا ترى العز إلا بالقهر والظلم، وهم مع ذلك أذلّة يخافون أن تتخطفهم الأمم من حولهم، فقد استطاع ان ينشئ حضارة إنسانية تمزج بين المكاسب المادية والمعنوية، وامتد خيرها خلال فترة قياسية على مساحة واسعة بين الأمم، حتى صارت في ذلك الوقت مُهابة من قبل اكبر الإمبراطوريات العظمى ذات التاريخ الضارب في القدم.
فقد أرسى رسول الله(صلى الله عليه واله) قواعد حكومته الفتية على أساس النظام المدني، القائم على الأحكام والتشريعات المركزية، لتنظيم الحياة الاجتماعية والاقتصادية للأمة، على الرغم من أن المجتمع العربي آنذاك كان معتادا على النظام القبلي، الذي يكون فيه رئيس العشيرة هو صاحب القرار النافذ والقانون القاطع، في أناس كانوا يعتبرون رابطة الدم هي أقدس مفردة يعرفها الإنسان.
لكن الرسول الكريم(صلى الله عليه واله) ربّى أمته على ان القانون الإلهي هو المفردة المقدسة في حياة الانسان، وان كل ما يقع خلاف هذا القانون فسيضرب به عرض الجدار، حتى لو كان الأمر متعلقا برابطة الدم، قال تعالى: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) المجادلة/22
على أن الرسول الكريم(صلى الله عليه واله) لم يُلغ رابطة الدم بين أفراد المجتمع، وإنما هذبها وجعلها في خدمة القانون المدني الذي شيّد أركانه، قال تعالى: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفًا) الأحزاب/6.
لقد انسحب القانون المدني الذي جاء به الرسول الكريم على كافة أصعدة الحياة في الدولة الإسلامية، ابتداء من تنظيم علاقة الأفراد بين بعضهم بعضا، وانتهاء بالسلطة التنفيذية والقضائية في الأمة.
وفي الوقت نفسه، حقق شكل الحكم الذي أسسه رسول الله(صلى الله عليه واله) أروع أشكال حرية التعبير بين أفراد الأمة، وبالأخص إذا نظرنا إلى ذلك الزمان الذي لم تصل فيه الأمم مرحلة النضوج الفكري والثقافي الذي تعيشه اليوم، روي أن رسول الله(صلى الله عليه وآله) جلس يوما يقسم الغنائم بين المسلمين، فجاءه رجل فقال: اعدل يا رسول الله. فقال: (ويلك، ومن يعدل إذا لم أعدل؟) فأراد احد أصحاب النبي قتله، فنهاه الرسول عن ذلك.
ولعل من أهم أنواع حرية التعبير الذي عرف في حكومة الرسول هو: حرية التعبير السياسي، فعلى الرغم من حساسية هذا الجانب وصعوبته، ولكنه تجسد بأبهى صوره في زمان حكم الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام)، الذي يمثل حكمه مرآة لحكم خاتم الأنبياء(صلى الله عليه واله).
ان احدث ما توصل إليه البشر في مجال أنظمة الحكم وإدارة الشعوب اليوم، قد حققه هذا الإنسان العظيم قبل قرن ونصف من الزمان تقريبا، وعلى الرغم من أن بذرة الحكومة المباركة التي غرسها النبي(صلى الله عليه واله) قد مُنيت بالانحراف عن النهج الذي رسمه، إلا أن أذيال بركتها جعلت الأمة الإسلامية تنشئ إمبراطورية متطورة امتد حكمها من جنوب أوربا إلى حدود الصين.

نشر في مجلة الولاية العدد 73

مقالات ذات صله