السيد علاء الموسوي: أجواء الحرم العلوي تـُعين على التحصيل العلمي…

_MG_8463

اجرى اللقاء:حيدر رزاق شمران

فاضل من فضلاء الحوزة العلمية في النجف الاشرف، وابن بارٌّ من أبنائها البررة، ووجه بارز من وجوه مدرستها المباركة، ناشط في مجال المشاريع الخيرية، جاد في التدريس والتحصيل، عاكف على خدمة مجتمعه وأهل جلدته. أسس مدارس علمية في الهند واليمن وإيران والعراق، وأقام مشاريع خيرية وإنسانية مهمة، وتولى مهام الوكالة لعدد من المراجع العظام في بلدان عدة، ذلك هو السيد علاء الدين ابن السيد عبد الصاحب الموسوي الذي كان للولاية معه هذا اللقاء.

البطاقة الشخصية:
ولد في العراق سنة 1960 والتحق بمدارس الكويت الابتدائية وأتمها حتى المرحلة الثانوية، ثم توجه نحو النجف الأشرف للدراسة الحوزوية في أحلك ظروفها، حيث البطش البعثي الذي بلغ ذروته سنة 1978م.
بعد ان تعذر عليه إكمال تحصيله العلمي في النجف الأشرف لسوء الأوضاع السياسية، غادر العراق سنة 1980 وأقام في مدينة قم مشتغلا بطلب العلم، وقام بأداء واجب التبليغ في عدد من دول الخليج العربي واليمن، وأسس في الهند مدرسة علمية سنة 1982 ثم قطن في مسقط -عاصمة عمان- وكيلا للسيد الخوئي(قدس سره) ثم للسيد السيستاني(دام ظله) منذ سنة 1986 حتى سنة 1992.
اتجه ثانية إلى ايران مشتغلا في الحوزة العلمية درسا وتدريسا، ثم عاد إلى اليمن فأسس فيها سنة 1998 مدرسة علمية ومكتبة ثقافية ومركزا دينيا للشيعة يعد الأول في تلك البلاد، وبعد مضي سنتين وبسبب المضايقات الكبيرة التي تعرض لها من الوهابيين هناك تم منعه من دخول البلد، فعاد الى الإمارات وقطن في الشارقة وكيلا للسيد السيستاني(دام ظله)، وأدّى مهامه الدينية في مسجد الزهراء(عليها السلام) هناك حتى سنة 2001، واذ رفضت الجهات الحاكمة تمديد إقامته عاد الى مدينة قم مشتغلا بالدرس والتدريس، وأسس هناك مدرسة علمية دينية باسم (مدرسة الإمام صاحب الأمر عجل الله تعالى فرحه) حتى سقوط النظام البعثي في بغداد سنة 2003م، فعاد إلى النجف الأِشرف ونقل اعماله الى العراق، فاستقر فيه مدرّسا وراعيا لمشاريع إنسانية ودينية عدة على رأسها: مدرسة الإمام صاحب الأمر(عجل الله فرجه) ومدارس العقيلة الخيرية للتعليم الأساسي وغيرهما من المشاريع.
له العديد من المؤلفات المطبوعة والمخطوطة منها: (حقيقة التشيّع) و(الثابت والمتحول) و(الوحدة الإسلامية على أساس الحقيقة أم على حسابها) و(تحقيق كتاب سليم بن قيس الهلالي) و(شرح وجيزة البهائي في الدراية).

_MG_8464

بداية لو تحدثوننا عن الانطباعات والأجواء الروحانية التي تمثلها العتبة العلوية المقدسة للدارسين الحوزويين؟
العتبة العلوية حرم أمير المؤمنين(صلوات الله وسلامه عليه) يمثل بالنسبة للدراسات الحوزوية قلبا نابضا، ومن المعلوم أن مثل هذه الأماكن المقدسة التي يرقد فيها مثل أمير المؤمنين صلوات الله عليه صاحب تلك الروح القوية المهيمنة؛ هذه الأماكن لها آثار على طلبة العلم، ومن يرجع إلى تاريخ طلب العلم وطلابه يجد ان هذه المسألة مسألة معروفة لديهم، إذ إنهم إذا أرادوا أن يبحثوا في مطلب صعب، فانهم يجتمعون عند قبر أستاذهم – كما كان يفعل بعض تلامذة الفلاسفة الكبار المعروفين- ليتباحثوا في المسائل انطلاقا من عقيدة ان روح ذلك الأستاذ مهيمنة على المكان ويمكن لها أن تعينهم على الوصول إلى الحقائق، فكيف اذا تعلق الأمر بأمير المؤمنين صلوات الله عليه، وبخاصة أننا نعتقد بان روحه موجودة تشعر بنا وتنظر إلينا وتتابع أعمالنا وتهيمن على أجوائنا!
لذا فان الأجواء العلمية حول أمير المؤمنين وفي الحرم الشريف أجواء نابضة بالحياة ومتحركة وكان علماؤنا رضوان الله عليهم إذا أشكلت عليهم مسألة ذهبوا وزاروا أمير المؤمنين وتوسلوا به في حل الإشكال العلمي، فتنفتح أمامهم الأبواب ويصلون إلى حل واضح وحقيقي وواقعي.
إذن أجواء الحرم الشريف أجواء تعين على التحصيل العلمي، وللنجف خصوصية في هذا المجال يعترف بها الجميع، وهي خصوصية البركة في طلب العلم وكون طالب العلم هنا يشعر بنفس شفافة وعقل صافٍ وقدرة وقابلية على تلقي المعلومات أكثر من أي مكان آخر.

على ذكر النجف الاشرف، كيف تصفون المكانة العلمية لحوزتها الدينية؟
الحوزة النجفية حوزة قديمة عمرها أكثر من 1000 سنة وهي مستمرة الى يومنا هذا لم تذوِ ولم تذبل ولم تَمَّحِ على رغم محاولات الدول الظالمة في إزالتها من الوجود، وآخر المحاولات كانت في النظام السابق في زمن البعثيين، إذ حاول هؤلاء بكل طريقة أن يزيحوا هذه الحوزة من طريقهم وان يمارسوا عليها كل أنواع الظلم والجور بالاعتداء والقتل والتشريد وتسفير العلماء، ومع ذلك بقيت الحوزة موجودة ببركة ثبات وصمود أعلامها كالسيد الخوئي(رحمه الله) وبعده السيد السيستاني(دام ظله) والسيد السبزواري(قدس سره)، فأمثال هؤلاء الأكابر في النجف لم يغادروها مع قدرتهم على ذلك، واختاروا البقاء في العذاب والإرهاب كي لا تنتهي حوزة النجف، وكما قال السيد الخوئي(قدس سره) حينما سُئل: لماذا لا تخرج من النجف؟ فقال: (لا أريد أن يقال أن الشيخ الطوسي أسس حوزة النجف والسيد الخوئي هو الذي أنهى حوزة النجف) لأنه كان يعلم أن خروجه من النجف يعني نهاية الحوزة هنا، وهذا ما لم يرتضه قطّ وفضّل أن يموت هنا مظلوما على أن يخرج منها.
اذن حوزة النجف لها منزلة كبيرة ووزن ثقيل جدا، من جهات عديدة من جهة تاريخية ومن جهة علمية أيضا، فالعمق العلمي الموجود في النجف هو مصدر ومنشأ للعمق العلمي الموجود في الحوزات الأُخريات، لذلك نجد أن أي وجود علمي مهم في أي حوزة أخرى خارج العراق لا بد من أن يكون قد استمد عمقه وقوته من حضوره في النجف الأشرف، لذلك تجد كبار علماء قم الآن أو الطبقة الأولى منهم والمراجع الكبار هم في الواقع تلامذة النجف.

أتباع أهل البيت سلام الله عليهم يتعرضون الى هجمات شرسة فكريا وعقائديا بماذا تنصحونهم في مثل هذه الظروف من جهة نظركم؟
لم يتوقف الهجوم العلمي والفكري والجسدي على التشيع يوما، فالشيعة معرضون دائما للقتل والتهجير وأموالهم معرضة للمصادرة وأفكارهم معرضة للشبهات المختلفة، إلا أن هذا الهجوم يزداد قوة وانتشارا يوما بعد يوم، لأن التشيّع هو الطريق الحق لأنه مستند الى القرآن الكريم والعترة.
وفي هذا الصدد اتقدم بوصية مهمة للمؤمنين في هذه الأيام، هي أن يطلعوا أكثر فأكثر على عقائدهم ويتعبوا أنفسهم في مطالعة الكتب المفيدة وان يستفيدوا من العلماء ومن محاضرهم ومن دروسهم ومن جلساتهم المفيدة، وان يكون الشيعي مرتبطاً دائما بمرجعيته وبأجواء العلم والعلماء، وان لا يتعرض إلى الأجواء الملوثة بالشبهات قبل أن يكون قويا في مواجهتها.
كيف تقيمون نشاطات الحركة العلمية والحوزوية والأكاديمية في النجف سابقاً وحاليا؟
لا يخفى ان هناك فرقاً بين ما نعيشه اليوم من حركة علمية في حوزة النجف الأشرف وما كانت تعيشه النجف قبل سقوط النظام، ففي ذلك الوقت كانت النجف مضغوطة جدا بإرهاب الدولة وملاحقة الأجهزة الأمنية لها، وكان كثير من العلماء قد غادروا إلى قم أو بلاد اخر، وما بقي في النجف من علماء وأفاضل وأساتذة كان قليلا، إلا أن الحركة العلمية كانت مستمرة على كل حال، ومع هذا القليل، ولكن الامر تغيّر وأصبح مختلفاً بعد أن انفتحت الأجواء وحصل الفرج، وعاد الكثير من أفاضل الحوزة العلمية إلى النجف وبدأت هناك حركة فعالة في دروس المقدمات والسطوح العالية والبحث الخارج.
فاليوم نرى في محافل الحوزة أن هناك حركة زاخرة ونشيطة ودؤوبة سواء في المدرسة الغروية أم في جامع الهندي أم في جامع السبزواري(رحمه الله) أم في الجوامع الصغيرة والكبيرة الاخر، حتى في البيوت فنجد أن الأماكن تضيق الآن بطلبة العلم وبالدروس وتزخر بطلبة العلم المقبلين من المحافظات العراقية، بل حتى من خارج العراق.

في كلمة موجزة، ما نظرتكم للإعلام ودوره في نشر الثقافة في هذا العصر؟
الإعلام كما يسمونه سلطة رابعة، لأنه مؤثر جدا ويمكن له أن يقلب الحقائق أو يثبتها، ويمكن أن يكون مؤثرا في الحياة بشكل كبير.
لذلك نحتاج إلى إعلام صادق وواقعي، ويمكن للإعلام الصادق والواقعي أن يسهم في خدمة الدين وإظهار الحقائق للناس، والتركيز على ما ينفعهم والابتعاد عمّا يضرهم في أخلاقهم وفي سلوكم.
الإعلام سلاح ذو حدين إذا افاد منه أربابه في الباطل فيمكن لهم أن يؤثروا جدا في حياة الناس ويجروا الناس إلى الباطل، وإذا افادوا منه في خدمة الحق والدين فسيقدمون حينئذ منفعة كبيرة وتكون لهم حينئذ منزلة عظيمة عند الله عز وجل لأنهم في تلك الحالة يمثلون لسان صدق يوصل الحق إلى الناس.

كلمة أخيرة:
أتمنى من الله تبارك وتعالى أن نرى النجف مزدهرة بحرمها الشريف وبمحيط حرمها المبارك وفي البلدة القديمة وفي أحيائها، وان نجد النجف ذلك البلد المزدهر الذي يستعد لاستقبال مئات الأُلوف بل الملايين من الزوار برحابة صدر، فيدخل الزائر مرتاحا ويغادر سعيدا.
نريد أن نرى النجف حوزة نابضة بالحياة، فعالة في التأثير في جوانب متعددة من حياة الناس في العراق وفي كل العالم – وهذا ما نجده ولله الحمد متحققا ولكن بنسب معينة-، نريد أن نرى النجف – كما هي دائما- رائدة للعلم والإصلاح، رائدة في نشر الفضيلة في كل العالم، لأن العالم في الواقع عينه وحواسه كلها متّجهة إلى هذا البلد الشريف، لأنها هي الحوزة الأم للتشيع.
نسأل الله تبارك وتعالى ان يوفق العاملين في حرم أمير المؤمنين عليه السلام لخدمة هذه العتبة بأتم وجه وأن يوفق أهل الحوزة والقائمين عليها وأهل الفضل والدارسين للاستمرار بالحركة العلمية وتنضيجها ولإتمام الطريق الذي بدأه الأولون.

 

نشر في مجلة الولاية العدد 73

 

مقالات ذات صله