نحو حياة سعيدة

_M4G0588

الشيخ مقداد حامد الكعبي

يسعى الإنسان بطبيعته نحو حياة هانئة سعيدة، يجد فيها الاستقرار والطمأنينة، سواء على صعيد ذاته ام على صعيد أسرته أم على صعيد مجتمعه.
ولابد له قبل هذا وذاك من تحديد المصدر الثقافي والمعرفي الذي يعتمد عليه في معرفه ذاته ومعرفة الغاية من وجوده وطبيعة العلاقة التي ينبغي أن يبنيها مع شريك حياته ومن حوله.
إن المصادر الثقافية قد تعددت اليوم وتنوعت والموجود اليوم على الساحة من مصادر معرفية كلٌّ منها يدّعي أنه الأفضل وانه الذي يوفر حياة سعيدة، ولكن المصدر المعرفي الثقافي الصافي الوحيد الذي لا بد من الرجوع إليه هو (الثقلان).

فالثقلان – الكتاب والعترة- هما اللذان ضمن النبي الأكرم لمن تمسك بهما ورجع اليهما في كل صغيرة وكبيرة من حياته عدم الضلال والانحراف والبقاء في ساحة النور والابتعاد عن الظلمة والأخطاء التي قد تحول حياة الفرد والأسرة والمجتمع إلى جحيم، كما نشاهد اليوم في بعض الأسر والمجتمعات التي تهدمت وعانت الضياع والتشتت لأنها لم تستشر الثقلين في بداية تشكيل الأسرة.
وخلاصة الكلام يوجد مصدران للثقافة والمعرفة هما الثقلان وهما يمثلان ثقافة النور، وضدهما ثقافة الظلمة ولا ثالث لهما.
على مفترق طريقين:
نعم تلك حقيقة لا بد من الاعتراف بها ـ عزيزي القارئ ـ ولكي نتعمق في هذه الحقيقة، تعال معي الى القرآن لنرى كيف يصور لنا الموقف: (قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) {البقرة/38 ـ39}
يقول السيد الطباطبائي في كتابه الميزان في تفسير القرآن: (صدر الأمر الإلهي بالهبوط إلى ارض المعركة بين الإنسان والشيطان، وكان هذا اول تشريع لآدم عليه السلام وذريته.. فهدى الله يؤدي الى الأمان والسرور، والكفر بالله تعالى وتكذيب اياته يستتبع الخلود في النار فعقد الاستخلاف بين الله والإنسان قائم على تلقي الهدى من الله، وتطبيق منهجه الذي هدى الله الإنسان به ليحكم حركة الحياة، رافضا كل شرع ونهج غيره، والقيام بهذا الهدى يعطي الإنسان سعادة الدنيا والآخرة ويبعد عنه الخوف والحزن)(الميزان ج1)
نعم، لقد وضع الإنسان في مفترق طريقين في اول تواجد له على الأرض، طريق الهدى المتمثل بالشرائع الإلهية وطريق آخر غيره، وسلوك الطريق الأول فيه سعادة الدنيا والآخرة والثاني فيه الضنك في دار الدنيا والخلود في النار في دار الآخرة.
وقد يتصور بعض الإخوة ان اتباع الهدى ينحصر بالصلاة والصوم وباقي العبادات، أما ما يخص الذات وتشكيل أسرة وبقية التفاصيل الجزئية لحياة الإنسان فهو مخير فيها، وله ان يختار أي منهج يراه صحيحا بفكره الخاص.
وهذا الأمر غير صحيح، لأن الهدى الذي جاء من الله تعالى شامل وعام لكل تفاصيل الحياة، الفردية منها والاجتماعية، كما ورد عن الأئمة عليهم السلام: (ما من شيء الا وفيه كتاب او سنة)(الكافي: ج1).

شمولية الإسلام:
نعم، في كل شيء يوجد هدى من الله تعالى، وهذا ما يسمى بشمولية الإسلام لكل مفاصل الحياة لا كما يصور بعضهم الإسلام ان منهاجه ينحصر داخل جدران المسجد الأربعة فقط وما هو إلا مجموعة من الطقوس تؤدى في الجامع فقط ثم نتركه ونخرج فنكون أحراراً في بقية تصرفاتنا اليومية.
يسأل بعض الأعزاء: هل وفّر الإسلام لكل جوانب الحياة تشريعات لكل جزئية من الحياة الفردية والاجتماعية؟
والجواب: نعم، في كل صغيرة وكبيرة، حتى في تسريحة الشعر وفي شكل الملابس ولونها، وفي الأكل والشرب والنوم والعلاقة مع الله تعالى، والعلاقة مع الأم والأب والجيران، فالهدى في كل شيء موجود.. قال تعالى: (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ)، وقال: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ).

خلود الثقلين:
ولقائل ان يقول: ان هذا الكلام ينطبق على الأجيال والأمم السابقة اذ لم يكن هناك نضج عقلي وتطور تكنلوجي، أما اليوم فلا حاجة الى التقيد بالثقلين، ونستطيع ان نعتمد على افكارنا الخاصة وما نستورده من الثقافات الأُخريات كما نستورد ما نحتاجه من لوزام المعيشة اليومية.
والجواب: ان الإسلام والهدى الإلهي هو منظومة قانونية صالحة لكل زمان ومكان، لأنها خاتمة الشرائع ومشرعها حكيم ومحيط بما ينفع الإنسان وما يضره، ثم ان تربية الإنسان هي نفسها لم تتغير منذ زمن النبي الأكرم صلى الله عليه واله حتى اليوم.
لذا فان الثقلين منظومة صالحة لكل زمان ومكان.. وقد روي عن صادق آل محمد عليه السلام انه قال: (ان الله لا يدع الأرض إلا وفيها عالم يعلم الزيادة والنقصان، فإذا زاد المؤمنون شيئا ردهم وإذا نقصوا أكمله لهم فقال: خذوه كاملا ولولا ذلك لالتبس على المؤمنين أمرهم ..)(علل الشرائع – الشيخ الصدوق: ج 1 / 196)
فإذا أردت ـ عزيزي الشاب ـ أن تبدأ خطواتك نحو حياة سعيدة وتشكل أسرة هانئة، ما عليك إلا ان تطرق باب محمد وآل محمد عليهم السلام: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)، وهم سوف يرسمون لك طريقا واضحا لنفسك منذ البداية، ويعلمونك أول خطوة في تأليف العش الزوجي حتى النهاية، وسوف ترى في جولتنا هذه كيف أن بيانات أهل بيت العصمة(عليهم السلام) قد استوعبت مفاصل الحياة المختلفة.
فاركب معي سفينة النجاة، واترك الأفكار التي يروج لها غيرهم فيلبسونها ثوبا جديدا وعناوين براقة باسم التطور والانفتاح، فالنجاة في سلوك طريق النور، و(من اعتصم بكم فقد اعتصم بالله أنتم السبيل الأعظم والصراط الأقوم.. من أتاكم فقد نجا ومن لم يأتكم فقد هلك.. إلى الله تدعون وعليه تدلون والى سبيله ترشدون.. سعد من والاكم وهلك من عاداكم.. وضل من فارقكم.. وفاز من اعتصم بكم).

 

نشرت في مجلة الولاية العدد 73

مقالات ذات صله