نهج البلاغة وعلم الأخلاق

254789_9

طالب شبر

 

إن جلّ الناس قد سمعوا وكتاب نهج البلاغة، والعديد منهم قد بلغتهم غاية الوصف في عظمته، إلا أن كثيرا منهم لم يطلع على فحوى هذا الكتاب أصلا، ومنهم من قرأ نزرا يسيرا منه ثم أهمله، ومنهم من يتحرى من قراءته الأحداث التاريخية، ومنهم من يبحث فيه عن القضايا الفلسفية، ومنهم من يتابع فيه البدائع اللغوية.. إلا أن اللافت للنظر إهمال الكثير من القراء الجانب الأخلاقي في هذا الكتاب إلى حد كبير، فقلما تجد من الناس من يتابع في كتاب نهج البلاغة هذا الموضوع المهم والحساس.
إن الجانب التربوي والأخلاقي يشكل ــ دون مبالغة ــ ركنا أساسيا في كتاب نهج البلاغة، إذ يعد أول كتاب في التربية والأخلاق بعد القران الكريم، حتى ان الكثير من الخطب والكلمات التي ذكرت فيها الجوانب الفلسفية والتاريخية وما شابه قد اتخذت من مسألة تربية النفس وتزكيتها هدفا لها بشكل عام، وجميع الكتب التي ألّفها علماؤنا الأعلام(رضوان الله تعالى عليهم) التي تبحث في قضايا الأخلاق الإسلامية لا تصل في مقاصدها وفي طريقة بيانها إلى ما وصل إليه نهج البلاغة، لان نهج البلاغة هو كلام أمير المؤمنين(عليه السلام)، وكفى بذلك دليلا قاطعا على ما ندعيه.
وقد ترد هنا إثارة تقول: إن المسلم الذي يريد أن يخوض في القضايا التربوية لتهذيب أخلاقه على ضوء تعاليم الشريعة السمحة يحتاج إلى تبويب في البحوث وتسلسل في المقاصد، حتى يسير بخطوات مدروسة نحو تزكية نفسه خطوة اثر أخرى بشكل منهجي، وهذا ما تقدمه مؤلفات علماء الأخلاق بشكل واضح، بينما يفتقر نهج البلاغة إلى ذلك، إذ تجد فيه خطبا وحِكما في الأخلاق جليلة القيمة مبثوثة هنا وهناك دون تبويب وتنظيم، الأمر الذي قد يربك السائر على هذا الطريق، فتكون قراءة تلك المؤلفات في هذا المجال أولى .
وهذا الإشكال يرتفع إذا نظرنا إلى طبيعة كلام أمير المؤمنين(عليه السلام) ، فان كل خطبة ألقاها وكل حكمة قالها وكل وصية كتبها تمثل في حد ذاتها منهجا شافيا وعلاجا ناجعا يزكي النفس وينقي الروح ويطهر القلب، لما لكلامه من سحر غريب في تناسق المقاصد وترابط المعاني وفصاحة الألفاظ، فان قائلها باب مدينة علم الرسول(صلى الله عليه واله) وهو اعلم بما يؤثر في النفس ويصلحها.
ثم إن هذا الإشكال لو كان صحيحا لجرى تفضيل قراءة تلك المؤلفات على قراءة القرآن الكريم، لان القرآن لا يعرض القضايا التربوية على أبواب وفصول مرتبة، وإنما تجدها مبثوثة في آيات القرآن الكريم هنا وهناك.
على أننا لا ندعو إلى إهمال قراءة المؤلفات الجليلة التي ألفها العلماء في هذا الباب، ولكننا نقصد أن يوليها الإنسان الدرجة الثانية من الاهتمام بعد كتاب الله ونهج البلاغة، فتكون قراءة تلك المؤلفات من باب التفسير لما أشكل من فهم بعض مقاصد القران الكريم والنهج، أو للاستزادة من بحر علم الأخلاق الفضيل.

 

نشر في الولاية العدد 73

مقالات ذات صله