مذاهب علماء التجويد في صفة التكرير

quran_by_lolita009-d54163le

فيصل فاضل حسن

 

التكرار لغة يعني: الرجوع ، وكرّر الشيء ، وكركره أعاده مرة بعد أخرى (1) ، اما اصطلاحا فيعني: ارتعاد رأس اللسان عند النطق بالصوت (2) .
وقد وصف علماء اللغة القدماء صوت الراء بالتكرار،فقد قال سيبويه: ( ومنها المكرر، وهو حرف شديد يجري فيه الصوت لتكريره وانحرافه إلى اللام ، فتجافى للصوت كالرخوة ، ولو لم يكرر لم يجر الصوت فيه وهو الراء) (2)، وقال أيضا: (والراء إذا تكلمت بها خرجت كأنها مضاعفة) (3) ، وقال في موضع آخر: (والراء لا تدغم في اللام ولا في النون لانها مكررة) (4) .

 

ولم يخرج علماء العربية عمّا اصطلحه سيبويه لهذا الصوت سوى إيضاحهم معنى التكرير، فقد وصف بـ(الترجيع)(5) و(تعثر اللسان)(6).
فقد قال المبرد: (وهذه الحروف التي تعترض بين الرخوة والشديدة هي شديدة في الأصل… ومنها الراء، وهي شديدة ولكنها حرف ترجيع، فإنما يجري فيها الصوت لما فيها من التكرار)(7).
أما ابن جني فقد قال: (وذلك انك إذا وقفت عليه رأيت طرف اللسان يتعثر بما فيه من التكرار، ولذلك احتسب في الإمالة بحرفين)(8).

ما قاله علماء التجويد:
وتابع علماء التجويد ما قاله سيبويه ومن بعده في صفة التكرير، فقال مكي بن ابي طالب: (الحرف المكرر: وهو الراء سمي بذلك لأنه يتكرر على اللسان عند النطق به، كأن طرف اللسان يرتعد به، واظهر ما يكون ذلك إذا كانت الراء مشددة)(9).
وقال عبد الوهاب القرطبي: (ومنها المكرر، وهو الراء، وذلك انك إذا وقفت عليه رأيت طرف اللسان يتعثر بما فيه من التكرار، ويرتعد لما هناك منه)(10).
وقد اختلف علماء التجويد في صفة التكرير، أهي صفة لازمة للراء أم لا؟ فذهب مكي إلى وجوب إخفاء صفة التكرير إذ قال: (ولابد في القراءة من إخفاء التكرير، والتكرير الذي في الراء من الصفات التي تقوي الحرف)(11).
ونفى بعضهم الآخر صفة التكرار عن صوت الراء، اذ قال محمد مكي نصر: (فهذه الصفة يجب أن تعرف لتجتنب لا ليؤتى بها)(12)، إذ أوجبوا على القارئ إخفاء التكرير وإلا كان لاحنا فيجب التحفظ منه(13).
وذهب بعض علماء التجويد إلى ان التكرير صفة ذاتية للراء(14)، وهو يوافق ظاهر كلام سيبويه(15)، فقد قال الاندرابي: (والمكرر هو الراء وحدها سميت بذلك لأنها تصير بمنزلة راءين)(16).

التكرير ليس ترعيد اللسان:
وذهب محمد بن الجزري إلى ان التكرير ليس المقصود به ترعيد اللسان بها، ولا بإخفائها إعدام تكريرها، بل المقصود بذلك الاعتدال بين الأمرين.
فقال: (وقد توهم بعض الناس أن حقيقة التكرير ترعيد اللسان بها المرة بعد المرة، فاظهر ذلك حال تشديدها، كما ذهب إليه بعض الأندلسيين، والصواب التحفظ من ذلك بإخفاء تكريرها، كما هو مذهب المحققين، وقد بالغ قوم في إخفاء تكريرها مشددة فيأتي بها محصرمة(17) شبيهة بالطاء، وذلك خطأ لا يجوز، فيجب ان يلفظ بها مشددة تشديدا ينبو به اللسان نبوة واحدة وارتفاعا واحدا من غير مبالغة في الحصر والعسر نحو:(الررررحمن الرحيم) (الفاتحة: 2)، و(خرررر موسى) (الأعراف: 143…)(18).
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) ظ : لسان العرب، مادة ( كرر ) ، 6 / 450 .
(1) ظ : قواعد التلاوة، ص 41 .
(3) الكتاب، 4 / 435 .
(4) المصدر نفسه، 4 / 436.
(5) المصدر نفسه، 4 / 448.
(6) ظ : المقتضب، 1 / 196؛ شرح المفصل، 10 / 128.
(7) ظ : سر صناعة الإعراب ، 1 / 71 لابن جني.
(8) المقتضب، 2 / 196؛ شرح المفصل، 10 / 128.
(9) سر صناعة الإعراب، 1 / 71 لابن جني.
(10) الرعاية، ص 69.
(11) الموضح في التجويد، ص 92.
(12) الرعاية، ص 69 ـ 70.
(13) نهاية القول المفيد ، ص 57 .
(14) ظ: الدراسات الصوتية عند علماء التجويد، ص 316.
(15) ظ : التحديد، ص 108 .
(16) ظ : الكتاب ، 4 / 435 .
(17) الإيضاح، ص 320 .
(18) من الحصرمة بمعنى التضييق أي بحبسها في مخرجها كالحرف الشديد.
(19) النشر، 1/219؛ ينظر: الدراسات الصوتية عند علماء التجويد، ص317.

 

نشرت في مجلة الولاية العدد 73

مقالات ذات صله