ابواب الرواق العلوي المطهّر

11110-768x1024

د. صلاح الفرطوسي

 

يلاحظ الداخل الى الرواق المحيط بالحرم الشريف وجود عدة أبواب تبهر العقل بسحر زخارفها المنبتة وجمالها، وروعة خطوطها، وليس ذلك يستغرب اذا علمت أنه تعاون على اخراجها بتلك الصورة أمهر الفنيين من رسامين وخطاطين وصاغة على مر العصور، وأنفقت عليها أموال طائلة سواء أكان ذلك في المعدن الثمين الذي صنعت منه أم في الأجرة التي دفعت للفنيين الذين شاركوا في إبداعها.
ويعد كل واحد من الأبواب قطعة فنية لا تضاهى في جمال الزيارة وحسن الصنعة، وقد وزعت توزيعا يسهّل على الزائرين دخول الروضة في المناسبات المعروفة التي يتجاوز فيها عدد الزائرين المليون بكثير.

 

وضع أحد الأبواب في الجهة الشمالية في مقابل باب الطوسي، وهو فضي تبرع به الراجا عبد القادر كمباشي، وتمت صياغته في العراق، ونصب سنة 1936م.
وفتح باب آخر في الجهة نفسها حديثا بعد تزايد اعداد الزائرين بما لا يتناسب مع طاقة المداخل القديمة، ووضع في الجهة الجنوبية مقابل باب القبلة باب تبرعت به الحاجة طخة والدة الزعيم الشهير عبد الواحد آل سكر، وبلغت تكاليفه
ألفا ومائتي ليرة ذهبية، وقد كتبت على واجهة عقد الباب المطلة على الصحن الشريف قبل تغييرها على بلاط القاشاني قصيدتان: الأولى فارسية في اربعة وعشرين بيتا وكتبت بحروف كبيرة زرقاء على ارضية صفراء اللون كل اثني عشر بيتا يشغل نصف القوس، والثانية عربية في ثمانية وعشرين بيتا كتبت بخط فارسي(نستعليق) بحروف صغيرة بيضاء اللون على أرضية زرقاء تحيط بالقصيدة الفارسية من الأعلى والأسفل، وهي من نظم قوام الدين محمد الحسيني السيفي القزويني، وكتب تحتها طرتان صغيرتان بحروف بيضاء صغيرة: «تشرف لتجديد كتابة هذه الكتيبة الشريفة بقلم تراب أقدام الزائرين أشرف الكتاب اليزدي».

07F5690-683x1024
باب السلطان مراد:
وفي شهر شعبان من سنة 1369هـ/1950م قلع كل ما ذُكر من الباب الجنوبي وأبدل بزخارف من المرايا تشبه زخارف الحرم، تبرع بها الشاه محمد رضا بهلوي، ذكر ذلك الشيخ محمد حسين في كتابه (تاريخ النجف الاشرف 1/420) وأشار الى وجود باب آخر كان في هذا الجانب سمي باسم السلطان مراد ابن السلطان سليم (ت1003/1595م)، وقد فتح عندما وصل المذكور الى النجف وتشرف بزيارة المرقد الشريف ودخل الى الحرم منه، واغلق فلم يفتح ثانية إلا لسلطان مسلم زار الحرم، ثم أغلق، ولم يفتح الا للسلطان ناصر الدين القاجاري سنة 1287هـ/1870م، وقد أفاد الشيخ محمد حسين هذه المعلومات من كتاب معارف الرجال 2/5 وقال: إنه أدركه ورآه مزيناً بزخارف هندسية ومطعماً بالعاج، وقد تشوّه منظره بسبب الحناء التي وضعها الزائرون عليه فقلع ووضع في الخزائن وابدل بباب حديدي ولكنه لا يفتح للزائرين. أما زيارة ناصر الدين فقد استمرت ثلاثة أشهر، وكلفت خزانة الوالي مدحت باشا كثيرا بسبب كثرة حاشية الشاه التي تجاوز عدد أفرادها عشرة آلاف وبلغ ما أنفقه الوالي عليها ثلاثين ألف ليرة كما ذكر علي الوردي في لمحاته 2/258.
وفتح حديثا في هذا الاتجاه باب جديد خصص لدخول النساء بسبب تزايد اعداد الزائرين بما لا يتناسب مع طاقة المداخل القديمة.
وأشار الشيخ محمد حسين حرز الدين ايضا الى باب كان في منتصف الساباط يفضي الى الرواق وقد اغلق منذ عهد قديم، ووضع مكانه شباك من النحاس الأصفر (يفضي الى غرفة فيها بعض نفائس الحرم).



ابواب الايوان الذهبي:
وتوجد أيضا ثلاثة أبواب ذهبية في الإيوان الذهبي، واحد كبير في وسطه يقابل الباب الخارجي، واثنان على جانبيه الشمالي والجنوبي، أما الباب الذهبي الجنوبي فهو مغلق ويؤدي الى مدخل لحجرة فيها أهم نفائس الحرم من مصوغات وأحجار كريمة وغيرها.. وقد بني هذا المدخل بصورة دائمة، ودفن في هذه الغرفة العالم المقدس الشيخ أحمد الأردبيلي.
أما الباب الشمالي الذي يؤدي الى غرفة دفن فيها العلامة الحلي فقد فتح سنة 1373هـ/1954م وأصبح مدخلا آخر الى رواق الحرم وأبدل بابه أيضا بباب ذهبي، أما قبر العلامة الحلي فقد وضع في واجهته قسم من أحد شبابيك المرقد المطهر المحفوظة في احدى خزائن الضريح، والى جنب القبر مرقاة يصعد منها الى سطح الحرم.
أما الباب الذي يقع في وسط الإيوان فقد كان فضيا تبرع به الحاج محمد حسين خان الأصفهاني المعروف بالصدر الأعظم بحسب ما كتب عليه.
وذكر الشيخ جعفر محبوبه في كتابه ماضي النجف وحاضرها 1/77 ـ 79 انه نصب في حدود سنة 1219هـ/1804م، ولكن الشيخ محمد حسين حرز الدين ذكر في 1/415 من كتابه ان في التاريخ الذي ذكره محبوبه (أنشئ في هذا الموضع بابان متصلان للتوسعة على الزائرين من الزحام)، أما المتبرع فهو الصدر الأعظم الذي ذكره محبوبه، وأضاف: وهو الذي بنى سور مدينة النجف، وهو أيضا صاحب مدرسة الصدر في محلة المشراق، وذكر ايضا انهما في سنة 1287هـ/1870م ابدلا ببابين من الفضة كان المتبرع بهما مشير السلطنة، وقد ادرك بابين وعرف اسم المتبرع من خلال الشعر الذي نقش عليهما، ثم ابدلا بالباب الذهبي الشهير الذي نصب في سنة 1376هـ/1957م وتبرع بنفقته الحاج محمد تقي مقدار نصف مليون تومان، واستعمل في صياغته سبعة عشر كيلوغراما من الفضة، وقد ابدع في ثلاث سنوات ثلاثة من أمهر الصاغة في أصفهان رسم الخطوط والأزهار المنبتة وتقسيم النقوش عليه، ونقل ما ذكرته الدكتورة سعاد ماهر في كتابها(مشهد الامام علي في النجف) حول قيمته الفنية إذ إنه يعد آية من آيات الفنون الزخرفية التطبيقية في القرن العشرين، وتحدث الدكتور الحكيم في 2/81 من كتابه المفصل وغيره عن قيمة هذه التحفة الفنية الفريدة التي يحار الوصف فيها.
وكان وصول هذا الباب الى النجف ونصبه مناسبة لمهرجان عظيم في الأسواق والصحن الشريف استمر اكثر من اربع ليال، وفتح وسمح بالدخول والخروج منه في يوم الخميس الحادي عشر من شعبان بعد ان اقيم حفل في الصحن الشريف اشترك فيه اهل العلم وعموم الطبقات النجفية.. وهو أول باب يصنع من الذهب للأضرحة المقدسة واغلاها فيما أعلم.

 

نشرت في الولاية العدد 76

مقالات ذات صله