الإمام الحسين(ع) في ذاكرة الشعراء

صور-عاشوراء-2015

أ.م.د.حسين عبد العال اللهيبي

لقد وجد الشعراء على اختلاف عصورهم ومذاهبهم في شخصية الإمام الحسين(عليه السلام) ما يثير شاعريتهم, ويحرّك عواطفهم، ويملك عليهم وجدانهم؛ وكيف لا وهو الذي سنّ للناس سبيل الشهادة، والتضحية من أجل الحق، وعدم الركوع للظالمين، وهو القائل (والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ، ولا أقرُّ لكم إقرار العبيد).
انطلق الشعراء في هذا الميدان الفسيح وهم يتقصون أخلاق الامام الحسين(عليه السلام) الحميدة، ويتعقبون شمائله العالية، ويشيدون بمواقفه النبيلة، وكان من بين هؤلاء الشعراء القاسم بن يوسف الكاتب( ت 218هـ ) الشاعر المعروف، اذ يقول بلوعةٍ وأسًى:

لا تنقـــــضي حسراتُ ذي ورعٍ ودم الحسين على الثرى يجري                      ودمــــــاء إخـــوته وشيـــــعـــتــــه مستلحــمــون بجــــانب الـــنـــهـــر

ولعل الصورة التي يرسمها عبد الله بن المعتز بن المتوكل العباسي(ت 296هـ ) للإمام الحسين(عليه السلام) أكثر واقعية وتأثيراً وأبعد عمقاً، فالحسين حين مصرعه يحيط به أعداؤه، وقد اشتدّ به العطش، إنّها صورة الأسد المجروح وقد أحاطت به الكلاب تنهشه من كل جانب، فيقول :

ولا عجباً غير قتل الحسيــ ـن ظمآن يُقصى عن المشربِ

  فيا أسـداً ظــل بــين الـكلا    ب  تنـهشــه دامي المخلبِ

وابن الهبارية محمد بن محمد بن علي بن صالح الهاشمي(ت 509هـ ) يتأسّف على ما فاته من نصرة الإمام الحسين (عليه السلام) ، ولو أنه كان حاضراً يوم العاشر لما قصّر عن نصرته ، ولسقى أعداءه من حدّ سيفه ورمحه ، وهو صادقٌ فيما يقوله ، والشاهد على ذلك قسمه في أول الأبيات ، وإن لم يحالفه الحظ، ولكن كلّ ما يستطيع أن يواسي به الحسين فضلة حزن ودموع جارية، يقول:

أحسين والمبعوث جــدّك بالــهـــدى            قسماً يكونُ الحقّ عنه مُسائـــلــي
لو كنتُ شاهد كربلا لبذلتُ في                  تفريج كربك جهد بذل الـباذلِ
وسقيتُ حــدّ السيف من أعدائكم               عللاً ، وحدَّ السّــــمهـــريِّ الــذابـلِ
لكنّنـي أخـّـرتُ عــــنك لشــــقـــــوتي          فبلابـلي بـــين الـــغـــريِّ وبــــابــــلِ
هبني حرمتُ النصر من أعدائكم                  فأقلُّ مــــن حـــــزنٍ ودمــــع هـامـلِ

وهذا أبو الحسين الجزّار يحيى بن عبد العظيم المصري(ت 679هـ) يعتصره الأسى ويدركه العجب حين يرى النواصب يوم العاشر من المحرّم وقد أقبل بعضهم يصافح بعضاً فرحاً واستبشاراً بمقتل سبط الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأعجب من ذلك أنهم يأتون وقد كحّلوا عيونهم، وخضبوا أيديهم بالحناء ، فبدت أجفانهم سوداً، وأناملهم حمراً، ولا يجد ما يدفع عنه صورة هذا المشهد المؤلم سوى الدموع التي يذرفها حزناً وأسًى على الحسين(عليه السلام) يقول:

أفي يَوْمِ عـــاشُورَاء أصْــبِحُ بـــــاسِماً      تَلُوحُ على وَجْهِي الطلاقَةُ والبِشْرُ ؟
أوَاسِي بِهِ قَتْلَ الحُسينِ وَما جَرَى           على قَوْمِهِ بالطَّفِّ إذْ قُـــضِـــــيَ الأمْرُ
أبَـــــى اللهُ إنِّــــي مُذْ خُلِقْتُ لَمُـــؤمِنٌ     وَما اجْتَمَعَ الإيمانُ مُذْ كانَ والكُفْرُ
عَجِبْتُ لِقـــــوْمٍ فِيهِ أبْدَوْا مَـــــسَرَّةً         وَصافَـــحَ زَيْداً مِنْهُمُ فَــــرَحاً عَمْــــــرُو
يُوَافِيكَ مَكْحُولَ الجُفُونِ مُخَضَّباً                فأجْــــفانُهُ سُـــــودٌ وَأنْــــمُلُـــهُ حُـــــمْـــــرُ
تُسَـــرُّ بِيـــَوْمٍ لا يســـــرُّ بِمـــــا جَرَى      على أهْلِهِ في مِـــــثْلِـــــهِ أحْـــمَدُ الطُّهْرُ

نشرت في الولاية العدد 76

مقالات ذات صله