الصداقة سيف ذو حدّين

fd32c24b56db6dc1d5d4b81ffe4a508a

م. عقيل الأسدي

الصداقة علاقة اجتماعية تقوم على مشاعر الحب والجاذبية بين شخصين أو أكثر، وتميزها خصائص عدة منها الدوام النسبي والاستقرار والتقارب العمري في معظم الحالات، مع توفر قدر من التماثل بين الاصدقاء في ما يتعلق بسمات الشخصية والقدرات العقلية والاهتمامات والاتجاهات والقيم والظروف الاجتماعية.
فالإنسان بطبعه كائن اجتماعي يندفع في كل مراحل حياته تلقائيا للبحث عن صديق أو أكثر ليرتبط معه بعلاقة صداقة قوية، ويتجاوز بذلك خطورة الوحدة والعزلة التي تحرمه من الراحة النفسية وتضعف ثقته بنفسه، وقد أكد الإسلام على أهمية الصداقة وبيّن صفات من تجب مصادقته، فقد ورد عن النبي محمد(صلى الله عليه وآله) أنه قال: ( من جدد أخا في الإسلام بنى الله له برجا في الجنة) (ميزان الحكمة 1/40) وقال الإمام علي(عليه السلام): (الصديق أقرب الأقارب) (ميزان الحكمة2/1583) وفي حديث آخر قال: (من شرائط الإيمان، حسن مصاحبة الإخوان) (عيون الحكم والمواعظ / 469).
فالصداقة قيمة إنسانية عظيمة الأثر في حياة الفرد والمجتمع، وتشير الدراسات النفسية الى أن الصداقات تسهم اسهاما كبيرا في ارتقاء المهارات الاجتماعية والقيم الأخلاقية، فهي تبصرهم بمعايير السلوك الاجتماعي الملائم في المواقف المختلفة، ومن خلالها يتعلمون كيفية المشاركة مع الآخرين في الاهتمامات والإفصاح عن المشاعر والأفكار، وتكوين علاقات تتسم بالثقة المتبادلة مع أقرانهم، ومما لا شك فيه أن وجود الصديق يوسع دائرة رؤية الفرد ويمنحه القدرة على حل مشكلاته، فإذا كان الصديق مؤمنا وملتزما وذا أخلاق حميدة فإنه حتما سيترك في أصدقائه آثارا جيدة ويسوقهم نحو السعادة؛ لأن الصديق يتأثر تلقائيا بصديقه.
لذلك نجد أن النبي محمداً(صلى الله عليه وآله) يؤكد على اختيار الصديق المناسب فيقول: (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل) (بحار الأنوار 71/192) وعن ابن عباس أنه قال: قيل لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أي الجلساء خير؟ قال(صلى الله عليه وآله وسلم): (من ذكركم بالله رؤيته، وزادكم في عملكم منطقه) (ميزان الحكمة 1/846).
وبناء على ذلك يجب أن يكون المعيار في اختيار الصديق التقوى وحسن السيرة ودماثة الأخلاق، وعلى الوالدين أن يسهموا في اختيار أصدقاء أبنائهم، وأن يوجهوهم لإقامة علاقات مع أفراد مؤمنين لقطع الطريق أمام السلوكيات المنحرفة التي يكتسبها الأبناء بسب الأقران المنحرفين، فكم من أسرة شريفة أريق ماء وجهها بسبب ارتباط أبنائها بأصدقاء منحرفين، وكم من أبناء طيبين في طفولتهم مجتهدين في دراستهم تراجع مستواهم وخرجوا عن جادة الصواب بسبب ارتباطهم بأصدقاء منحطّين.
إن تأثير الصداقة لا يقتصر على المهارات الاجتماعية، بل اتسع ليشمل عددا آخر من السمات والقدرات فتشير الدراسات إلى وجود علاقة بين الصداقة والسلوك المغاير في مرحلة ما قبل المراهقة، وكشفت أيضا عن تأثير الصداقة في تحسين المستوى الدراسي، إذ أظهرت دراسة واقعية أن الطلاب ذوي التقديرات المنخفضة أو المرتفعة في التحصيل الدراسي الذين تربطهم صداقة مع تلاميذ مرتفعي التحصيل قد حصلوا على درجات أعلى بعد مرور عام دراسي مقارنة بزملائهم الذين ارتبطوا بزملاء منخفضي التحصيل، وتفسر الدراسة نفسها ذلك التأثير في ضوء الاقتداء والتقليد والرغبة في المحاكاة وتحقيق الذات والإفادة من مهارات وخبرات الزملاء الأكثر تفوقا من خلال عمليات المقارنة الاجتماعية التي تكشف أمام الفرد وجود فروق متسعة بين المستوى الدراسي ومستوى الصديق مما يحفز المرء على تقليل تلك الفجوة.
لذلك نجد أن الإمام علياً(عليه السلام) يحذر من مصاحبة الأشرار والمنحرفين إذ يقول: (من صحب الأشرار لم يسلم) (عيون الحكم والمواعظ/446) لأن الأصدقاء يتبادلون التأثير فأيهم كان أقوى شخصية أثّر في صاحبه وقاده إلى حيث يريد، فعلى كل شاب أو شابة أن يحسن اختيار الصديق، فإن نفع الصديق كبير كما أن ضرره خطير، وقلما شفي شاب طول عمره من عادة سيئة علمه إيّاها صديق.

 

نشرت في الولاية العدد 80

مقالات ذات صله