اثر التراث العراقي القديم في قصص الأسرائيليات

1089330

د. خليل ابراهيم المشايخي

تعد ملحمة كلكامش واحدة من اقدم الملاحم في التاريخ الانساني، فقد كتبت هذه الملحمة قبل مايقرب من 2000 سنة قبل الميلاد ولاتزال هذه الملحمة تتمتع بالخلود والشهرة، وذلك يعود الى طبيعة الموضوع الذي عالجته، المرتبط بالصراع الأبدي بين الحياة والموت ورغبة الإنسان بالتشبث بالحياة، وهذا الأمر جعل من الملحمة منهلا ومعينا لإقتباس الكثير من ملاحم وأساطير الشعوب القديمة.
ولم تكن الإسرائيليات في منأى عن هذا التأثير..

 

وقد إستفادت الإسرائيليات من بعض العناصر الموجودة في الملحمة لإختلاق التفسيرات والقصص لبعض الآيات القرآنية ولعل قصة ذا القرنين أوضح مثال على ذلك.
ومن ثم لم تكن مصدر لقصص الإسرائيليات التي وجدت في ملحمة كلكامش معينا خصبا للإستفادة من التوافقات التي وردت في ملحمة كلكامش مثل ذهاب كلكامش الى جبل ماشو والذي تعرفه الملحمة بانه الجبل الذي يحرس غروب الشمس والذي يتوافق مع ذهاب ذي القرنين الى مغرب الشمس. بالتالی فان الإسرائيليات اقتبست من الملحمة بعض الأفكار واعادت صياغتها وتطويعها لجعلها متوافقة مع المعتقدات والطروحات الإسلامية خاصة اذا علمنا ان ملحمة كلكامش كتبت في مجتمع ذو معتقد وثني وسنستعرض أهم العناصر المشتركة بين ملحمة كلكامش وقصة ذي القرنين والتي يمكن أيجازها بما يلي:

اولا: الرغبة بالخلود
نجد في الملحمة ان كلكامش يسعى وراء الخلود هربا وخوفا من الموت بعد ان فقد رفيقه انكيدو فيذهب الى جده الخالد اوتنابشتم أملا في الحصول على سر الخلود. بينما نجدها في قصة ذي القرنين التي أوردتها الأسرائليات وتأثرا بالمعتقدات الأسلامية التي تؤمن بالموت نتيجة حتمية لكل انسان لذلك كان لابد من وضع سبب يبرر بحث ذو القرنين عن الخلود والذي تمثل بعدم الرغبة بالموت لغرض الأستزادة في عبادة الله سبحانه وتعالى.

ثانيا : عبور الظلمة
اقتضت رحلة كلكامش اجتياز النفق المظلم للوصول الى جبل ماشو حيث مغرب الشمس ليتمكن من لقاء جده الخالد، وفي الإسرائيليات استعارت فكرة النفق المظلم من الملحمة مستفيدة من التوافق في ذهاب كلكامش الى جبل ماشو وذهاب ذي القرنين الى مغرب الشمس كما اخبرنا القران الكريم في قوله تعالى (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِى عَيْنٍ حَمِئَةٍ).
ثالثا :استشارة شيوخ أوروك
تخبرنا الملحمة أن كلكامش جمع شيوخ أوروك وأخبرهم برغبته في الذهاب لمقاتلة خمبابا لكن الشيوخ حذروا كلكامش وحاولوا ثنيه عن هذه المغامرة معللين رفضهم بأن روح الشباب لديه سوف تقوده الى التهلكة لكن في نهاية الامر يرضخ الشيوخ لرغبته ويتمنون له سلامة العودة. اما في قصة ذي القرنين فانه يجمع العلماء واهل الرأي في عسكره ويبلغهم برغبته بدخول الظلمة فينصحوه بعدم دخولها لكن بإصراره يرضخون لرغبته لكن قبل ذلك يسجدون لله تعالى متبرئين من فعله الذي لم يقدم عليه أحد قبله من الأنبياء والمرسلين.

رابعا: الصديق والمؤازر
في ملحمة كلكامش يظهر انكيدو هو الصديق والمؤازر لكلكامش أثناء رحلتهما لقتل خمبابا حيث يوصي شيوخ المدينة انكيدو بالمسير أمام صديقه كلكامش لحمايته من مخاطر الطريق. ونجد أن القصة استعارت فكرة المؤازرة والإستباق في المسير لكن هذه المرة لغرض الحماية من المفاجأت غير المحسوبة لمجهولية المكان لأن ذا القرنين لم يذهب الى القتال.

خامسا: الغابة المسحورة
بعد ان ينهي كلكامش مسيره في النفق المظلم يخرج الى نور الشمس ليتفاجأ بالغابة التي أشجارها وثمارها من الأحجار الكريمة ويطوف بها حتى ينتهي عند ساحل البحر ويلتقي صيدوري فتاة الحانة. اما في القصة فان ذا القرنين يسلك الظلمة مدة أربعين يوما وأربعين ليلة دون ان يصل الى عين الحياة ثم يخرج من هذه المتاهة الى ارض فيها ضوء لا هو بضوء الشمس او القمر وإنما عبارة عن نور وحصبائها من اللؤلؤ ويجد في هذه الارض القصر حيث يلتقي الطائر.
سادسا : استحالة الحصول على الخلود
في ملحمة كلكامش وعند وصوله الى جده اوتنابشتي أخبره جده إستحالة الحصول على الأبدية وأن الموت نتيجة حتمية أقرتها الآلهة على البشر. وبعد تلك الرحلة الشاقة أيقن ان الأعمال الصالحة والإنجازات الكبيرة هي مفتاح الخلود. أما في القصة فان ذا القرنين لم يصل الى مبتغاه بالحصول على الخلود وقناعته باستحالة الخلود وهذه النهاية تكافئ ما تذكره الملحمة.
تقودنا المعالجة للنصوص السابقة الى إستخلاص الكيفية التي إستلهمت فيها الإسرائيليات نصا عراقيا قديما هو ملحمة كلكامش لخلق قصة متكاملة عن ذي القرنين مستفيدة من التوافقات بين القصة المقتضبة لذي القرنين في النص القرآني والنص العراقي القديم .

 

مقالات ذات صله