المُواطَنةُ والمُواطِنُ

maxresdefault

محمد دعيبل

يعد بعض علماء الاجتماع مفهوم المواطنة من المفاهيم العصرية التي أولدتها المصطلحات السياسية المقترنة بولادة الدولة الحديثة، بيد ان هذا المفهوم كان معهودا لدى الحضارات الإنسانية مثل اليونان والرومان، إلا ان صيغته المعاصرة تحولت من نطاقها التقليدي الى حق ثابت ترعاه الدول في حياتها السياسية والاجتماعية. وبعد فإن مصطلح المواطنة ولد من حصيلة ترسيخ مفهوم الدولة الحديثة وأسس تكوينها بطرائق الحكم المختلفة والقانون لتصبح حقا وسبيلا للجميع في بناء دولة المؤسسات.

 

المواطنة اصطلاحا:
عرّف المعنيون بعلم الاجتماع المواطنة على أنها عضوية كاملة تنشأ من خلال المنظومة العقلائية بين الفرد والدولة وفق القانون، وبما تتضمنه تلك العلاقة من واجبات وحقوق، فمن الواجبات على سبيل المثال دفع الضرائب والدفاع عن البلد أرضا وشعبا، ومن الحقوق حق التصويت وحق المشاركة في الحكم.
إذن يمكننا القول بأن المواطنة هي عبارة عن تفاعل بين المواطن والوطن من جهة، وبينه وبين القانون الذي يرسم تلك العلاقة ويحدد صلاحيات الحاكم من جهة ثانية، ويرى آخرون أن المواطنة تعني الاعتراف الشرعي والدستوري بحق الفرد في المشاركة بإدارة البلاد.
وما منظومة الحقوق والواجبات الاعتيادية إلا الأساس الذي تنبثق عنه المواطنة، في حين تكون الدولة بمثابة ظاهرة انسانية تستند الى القواعد القيمية لكسب مشروعيتها وسلطتها الواقعية.
أما الفرد فهو ذلك الكائن البايولوجي الذي يعيش في دائرة مغلقة قوامها الحكم الحياتي والعائلي، في حين نعني بالمواطن هو ذلك الفرد الذي خرج عن الدائرة البايولوجية ودخل نطاق الدائرة الاجتماعية بإرادته ووعيه.
المواطنة والمنظومة القيمية والوطنية:
لأنَّ الإنسان يمثل خليفة الله في الأرض وفق نظرية الاستخلاف الإلهي: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) كان من لطف الله تعالى أن يهبه حقوقا ثابتة لا مجال لإنكارها كحق الحرية والإرادة والاختيار، وإلا بطل استحقاق الإنسان الفعلي وشروط انجازه الموضوعية ونتائج المثوبة والعقوبة المترتبة على عمل الخير أو الشر.
في حين يتمثل مستوى الواجبات بدفع الضرائب والدفاع عن الوطن وحفظ النظام والمسؤولية تجاه الدولة والآخرين والوطن واحترام الجميع وما شابه ذلك.
بقي لدينا مصطلح آخر حساس بدائرة المواطنة هو الوطنية، إذ اختلف الباحثون في تفسير المعنى الذي يدلّ عليه هذا المصطلح، فمنهم من يرى أن لفظ الوطني والرعية والمواطن هي ألفاظ مترادفة، في حين اتجه آخرون للتعبير بكلمة الوطني عن الأشخاص الذين هم ليسوا بمواطنين بكل معنى الكلمة إلا أنهم مواطنون من أمم اخرى وقد يكونون تحت الحماية القانونية للأمم التي تعدهم مواطنين فيها.
وخلاصة القول أن كل أمة يمكنها أن تقرر من هم الأشخاص الذين يعدون مواطنين فيها في الوقت الذي لا تمتلك أية أمة اخرى السلطة القانونية لإلغاء هذا القرار وإبطاله، ولكن القانون الدولي قد يفيد ذلك بحسب ما يرتئيه من مواد يتفق عليها ذوو العلاقة.

 

نشرت في الولاية العدد 80

مقالات ذات صله