أمير المؤمنين(ع).. المعجزة الخالدة

sdsadf

د. خضر عبد الباقي

من الطبيعي ان تحتفل الأمم بعظمائها وتمجد شخصياتها الفذة، إذ إنهم علامات مضيئة تنير الدرب للأجيال.
وفي هذه الأيام المباركة تمر علينا الذكرى العطرة لولادة يعسوب الدين وإمام المتقين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، هذه الشخصية الفذة التي لا تستطيع الأفكار والأقلام -مهما كبرت- ان تغطي جزءً ولو يسيراً من جوانب حياتها المقدسة.
فعليٌّ(عليه السلام) من السابقين الى التوحيد، وأول من صلى مع النبي(صلى الله عليه وآله)، وهو فاديه بنفسه حين هاجر، ووكيله لأداء الودائع التي عنده إلى أصحابها..

 

يقول هارون الحضرمي: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله) من الفضائل ما جاء لعلي بن ابي طالب(عليه السلام)(فرائد السمطين: 1/79)، ولعظمته(عليه السلام) يشير محمد بن إسحاق الواقدي في الفهرست (ص111): (ان عليا كان من معجزات النبي(صلى الله عليه وآله) كالعصا لموسى(عليه السلام) وإحياء الموتى لعيسى(عليه السلام).
ويشير الخليل بن احمد الفراهيدي الى دليل عقلي على امامته فضلا عن ما جاء في حقه في القرآن والسنة بقوله: (احتياج الكل اليه واستغناؤه عن الكل دليل على انه امام الكل) (عبقرية الإمام: 138).
لقد ذكر النبي(صلى الله عليه وآله) انه منه اذ قال له: (انت مني وأنا منك) (صحيح البخاري: 4/107) وأمر بموالاته اذ قال: (من كنت مولاه فعلي مولاه) (سنن الترمذي: 5/197).
وقال عنه حين انكر عليه جماعة في عمله: (ماذا تريدون من علي؟ ان عليا مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي)(سنن الترمذي: 5/297) وهذه اشارة واضحة الى مكانة الإمام وعلو منزلته في الإسلام.
صفات يفتخر بها التاريخ:
وكان الامام أمير المؤمنين(عليه السلام) يتميز بالقوة ويتصف بشجاعة منقطعة النظير، وبشخصية قوية يهابها الفرسان والمقاتلون الأشداء، ومواقفه التي تدل على شجاعته كثيرة، تواصلت في حياته وملأت سيرته بحيث يقصر المجال عن ذكرها.
وكان شديد الزهد في الدنيا كثير الورع في امورها، لم تدفعه امارته الى الترف في العيش والميل الى الدنيا.
قيل انه اخرج سيفا له الى السوق فباعه وقال: لو كان عندي ثمن ازار لم أبعه، مع انه كان بإمكانه وهو أمير المؤمنين ان يتناول ذلك من بيت المال ولكنه لم يفعل ذلك لزهده.(الكامل في التاريخ للمبرد: 3/200).
وأما عن تواضعه فقد روي انه كان يحمل في ملحفته تمرا اشتراه بدرهم فقيل له: يا أمير المؤمنين الا نحمله عنك؟ فقال: (أبو العيال أحق بحمله)(الكامل في التاريخ للمبرد: 3/200).
وأما عن علمه فقد برع في علوم كثيرة لأنه ببساطة عاش في بيت النبوة واطلع على اسباب نزول الوحي ومواضعه، ونشأ مع نشوء الإسلام ونما وترعرع في كنف القرآن، فوسع صدره العلم.
كان كاتبا للقرآن حافظا له حريصا على ان لا يغيب عنه شيء منه، فقد أخرج ابن سعد في طبقاته انه مكث في بيته بعد وفاة النبي(صلى الله عليه وآله) ولم يخرج اياما، فلما سأله ابو بكر عن ذلك قال: (آليت بيمين أن لا أرتدي بردائي إلا الى الصلاة حتى أجمع القرآن)(طبقات ابن سعد: 3/318).
وقد قيل له: مالَكَ أكثر أصحاب رسول الله حديثاً؟ فقال: (إني كنت اذا سألته أنبأني وإذا سكتٌّ ابتدأني)(طبقات ابن سعد: 2/338).

دوره في الفقه والقضاء:
وقد اشتهر الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) بالقضاء، وتولاه زمن النبي(صلى الله عليه وآله) حين بعثه إلى اليمن، فقام به على أتم وجه بفضل دعاء النبي(صلى الله عليه وآله) له، ومن اقضيته المشهورة حكمه على اربعة اطلعوا على اسد في زبية، فسقط رجل منهم فتعلق بآخر وتعلق الثاني بالثالث والثالث بالرابع، فقضى للرابع بدية كاملة وللثالث بنصف الدية والثاني بثلث الدية والأول بربع الدية، فأسقط من كل واحد منهم من الدية بقدر ما حصل منه من التسبب في قتل غيره. (الأم للشافعي 7/75، وسائل الشيعة: 19/176).
وأما عن دوره في علم الفقه، فقد استند في فقهه الى الكتاب والسنة، فكان بحق مدرسة شاملة أخذت عنها معظم المدارس الفقهية من غير الامامية، فنلاحظ ان الأئمة الأربعة عند الجمهور قد استقوا من هذه المدرسة، فأبو حنيفة وصاحباه ابو يوسف ومحمد قد اخذوا من الإمام الصادق(عليه السلام) وهو آخذ عن ابيه محمد الباقر(عليه السلام) والباقر عن السجاد(عليه السلام) الذي ينتهي علمه الى الإمام امير المؤمنين(عليه السلام).
وأما الشافعي فقد أخذ عن مالك، وعن الشافعي أخذ أحمد بن حنبل، والزيدية يستند فقههم الى مسند زيد بن علي(عليه السلام) المروي عن الإمام امير المؤمنين(عليه السلام)، ولذلك لا نجد كتابا فيه فقه اي مذهب من المذاهب يخلو من الاستشهاد بالآثار المروية عن علي(عليه السلام).
وفي النهاية نقول: لقد كانت سيرة الإمام ومواقفه وعلمه تثبت بحق أنه المعجزة الخالدة الثانية للنبي(صلى الله عليه وآله) بعد القرآن الكريم.

 

نشرت في الولاية العدد 81

مقالات ذات صله