عمارة عمر بن يحيى العلوي

DSC00765

د. صلاح الفرطوسي

لم أقف على معلومات وافية أو دقيقة حول هذه العمارة، ويغلب على  الظنّ أنّها مجرّد إصلاحات أو توسعة للضريح المقدّس قام بها أبو علي عمر ابن يحيى خلال العقد الرابع من القرن الرابع، وقد تكون قبّة الضريح قد تعرَّضت للضرر أو الهدم فأصلحها أو أعاد  بناءها..

 

كل ما وقفت عليه حول هذه العمارة نسب في الأصل الى النوري في كتابه مستدرك الوسائل، وقد التبس تاريخها على غير واحد ممن ذكروها، وعزوا اقامتها إلى ما قبل سنة خمسين ومائتين للهجرة، أي قبل عمارة محمد بن زيد الداعي، ومنهم الدكتورة سعاد ماهر في كتابها (مشهد الإمام علي 129 ـ 130) إذ نسبت تاريخها الى ما قبل عمارة محمد بن زيد وقالت: (وقام بالعمارة الثالثة القائم بالكوفة، فقد ذكر النوري ـ وأحالت على مستدرك الوسائل 3/435 ـ أنه عمر مرقد جده أمير المؤمنين من خالص ماله، وكان يحيى هذا من أصحاب الإمام الكاظم موسى بن جعفر(عليه السلام)، قتل سنة 250هـ/864م وحمل رأسه في قوصرة الى الخليفة المستعين العباسي).
ووقع من بعد الدكتور حسن الحكيم في اللبس عينه، فذكر ان هذه العمارة يعود تاريخها الى ما قبل عمارة محمد بن زيد، قال في كتابه (المفصل في تاريخ النجف الأشرف 2/37): (ولكن بعد عهد المتوكل أعيدت الحرية للناس في زيارة القبر الشريف كما اعيد ما هدم منه، فقد قام أمير الحاج الشريف عمر بن يحيى ابن الحسين ببناء قبة قبر جده أمير المؤمنين من خالص ماله وقد وصفت تلك القبة بالبيضاء، وقام بعد ذلك السيد محمد بن زيد الداعي..)، وأحال في الهامش على أعيان الشيعة لمؤلفه السيد محسن الأمين الذي اعتمد على كتاب المستدرك ايضا.
وسبب اللبس يعود من وجهة نظري الى امرين، أولها: عدم وضوح نص السيد الأمين الذي اعتمد عليه الدكتور حسن الحكيم، ولعل الأمر قد أنبهم على السيد الأمين أيضا، والثاني لعله بسبب انتقال نظر فيها اورده من بعد السيد الأمين حول عمارة عضد الدولة وقصيدة ابن الحجاج، فقد ذكر في (أعيانه 3/537): (وممن عمَّره الشريف عمر بن يحيى بن الحسين ابن أحمد بن عمر المقتول سنة 350هـ/864م بن يحيى بن الحسين بن الحسين ذي الدمعة بن زيد ابن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب. في مستدركات الوسائل ان عمر الثاني هذا رد الله عل يده الحجر الأسود لما نهبت القرامطة مكة سنة 323هـ/935م وبنى قبة جده أمير المؤمنين من خالص ماله)، ثم انتقل الى الحديث عن عمارة ابن زيد وعمارة عضد الدولة وقصيدة ابن الحجاج.
وهناك أمر آخر جرَّ الى اللبس يعود الى اختلاط الأمر بين عمر بن يحيى الأول وعمر بن يحيى الثاني، وبينهما قرابة تسعة عقود، ثم زاد في الخلط ما ورد في النص الذي ذكره: (المقتول سنة 250هـ/864م بن يحيى بن الحسين..)، لأن الذي استشهد في هذا التاريخ هو يحيى بن الحسين ابن الحسين الملقب بذي الدمعة وليس عمر، وقد احدث استشهاده رضوان الله عليه ضجة عظيمة ورثاه الشعراء في مقدمتهم ابن الرومي في قصيدة طويلة ذكرها ابو الفرج في مقاتله 506 ـ 521، وذكر مصرعه وقيامه بالكوفة زمن المستعين ايضا ابن الأثير في كامله 7/116، ولا علاقة له بإصلاح القبر او الضريح.
أما الثاني فإن عمارته فيما أحسب كانت خلال العقد الرابع من القرن الرابع، أي بعد عمارة محمد بن زيد الداعي بنصف قرن أو يزيد، وبعد عمارة ابي الهيجاء السابقة الذكر وليس قبلهما كما ذكر الدكتور حسن الحكيم والدكتورة سعاد ماهر.
وقرر الشيخ محمد حسين حرز الدين في كتابه (تاريخ النجف الأشرف 2/88 ـ 89 ) ان هذه العمارة تعود الى سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة ـ وهو الراجح ـ وذكر أن السيد أبا علي عمر بن يحيى اختصه الله بفضيلتين، فضيلة بناء قبة جده أمير المؤمنين(عليه السلام)، وفضيلة رد الحجر الى محله، حيث توسط بين الخليفة المطيع لدين الله وبين القرامطة حتى اجابوه الى رد الحجر الأسود، وجاؤوا به إلى الكوفة وعلقوه على الاسطوانة السابعة من أساطين الجامع قبل رده الى البيت الحرام، وذلك تصديقا لما روي عن أمير المؤمنين(عليه السلام) أنه قال ذات يوم بالكوفة: (لا بد أن يسلب الحجر الأسود ويعلق في هذه السارية، وأومأ الى السارية السابعة) وأشار في الهامش الى الصحيفة 195 من كتاب شهداء الفضيلة، وتبدو وساطته منسجمة مع ما رواه ابن الأثير حول رد الحجر الى مكة في سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة للهجرة إذ قال: (وكان (بجكم) بذل لهم في رده خمسين ألف دينار فلم يجيبوه، وردوه الآن بغير شيء في ذي القعدة، فلما أرادوا رده حملوه الى الكوفة، وعلقوه بجامعها حتى رآه الناس، ثم حملوه الى مكة، وكانوا أخذوه من ركن البيت سنة تسع عشر وثلاثمائة).
ويؤيد التاريخ المرجح او يقترب منه السيد جعفر بحر العلوم في كتابه (تحفة العالم 1/272) إذ قال: (السيد أبو علي عمر الرئيس الجليل الذي ردَّ الله على يده الحجر الأسود..، وكان السيد المزبور أمير الحاج فرد الحجر الى محله سنة 339 فكان لبثه عندهم 22 سنة، وهذا السيد الجليل بنى قبة جده أمير المؤمنين من خالص ماله، وهو من ذرية الحسين ذي الدمعة، فهو ابو علي عمر بن يحيى القائم بالكوفة بن الحسين النقيب الطاهر بن ابي عانقه أحمد الشاعر المحدث بن ابي علي عمر بن ابي الحسين يحيى من أصحاب الكاظم المقتول سنة 250 الذي حمل رأسه في قوصرة للمستعين..).

 

نشرت في الولاية العدد 81

مقالات ذات صله