مبادئ الدولة عند الإمام علي.. المواطنة المدنية والإدارة العامة

1

د. نبيل ياسـين

 

اذا كان جون لوك ينطلق من أهمية الملكية الخاصة لنشوء المجتمع المدني في القرن السابع عشر الميلادي، فإن الإمام علياً(عليه السلام) ينطلق من توظيف الريع الذي تحصل عليه الدولة من الخراج لإعادة توظيفه في دولة ضمانات للمواطنة والمجتمع المدني، سابقا بذلك جان جاك روسو في عدّ الإرادة العامة شرطا لشرعية الدولة.
وتتحقق هذه الارادة بقدر ما توفر للمجتمع من ضمانات لأن الإمام علي(عليه السلام) يعدّ رضا المجتمع شرطا لشرعية الدولة.
وإذا قارنّا فلسفة الحق عند الفيسلوف الألماني هيغل بفلسفة الحق عند الإمام علي(عليه السلام) سيتضح ان مفهوم الحق عند الإمام يتوسع ليأخذ مفهوم الاطلاقية باعتباره اخطر مبدأ من مبادئ الدولة، فالحق عند الإمام علي (لا يبطله شيء) زماني أو مكاني، وبذلك يكون هو المحرك للتاريخ وهي فلسفه تتفوق كثيرا على فلسفة هيغل الذي عدّ العقل هو المحرك للتاريخ.
صحيح ان الحق يعرف عبر العقل ولكنه مقياس الحرية والمساواة، وهو ليس عقلانيا فحسب، وإنما هو الضرورة القصوى لعمل العقل وبذلك يكون مبدأ الحق دليلا للعقل.
وقد نشأت الديمقراطية من الحاجة الى دولة تحمي المنظومة الحقوقية للمجتمع بما في ذلك مبدأ الفضيلة الذي عدّه الفيلسوف الانسكلوبيدرو ضرورة لقيام دولة تقوم على الأخلاق، ولكن الفضيلة ليست عملا تطوعيا، وإنما شرط قانوني عدّه الإمام علي(عليه السلام) الزاميا من الناحيتين الدينية والإنسانية.
وآمن الإمام علي(عليه السلام) بالمعارضة غير المسلحة وبالاختلاف في الرأي سواء في الموقف المشترك ام في مفهوم الحق، فالمعارضة التي مثلها الخوارج على سبيل المثال أخذت موقف الإدانة الحيادية، لان (هؤلاء طلبوا الحق فأخطأوه) وعدّ الدولة دولة ضمانات ومواطنة فلم يصدر قانونا او يتخذ اجراء بحرمان المعارضة من ابداء رأيها او مطالبتها بحقوقها في العطاء، واكثر من ذلك أنّه استقبل مبعوث الخوارج قبل نشوب حرب النهروان، وكان المبعوث رجلا يهوديا عراقيا، وهذه نقطة لم ينتبه اليها كثير من الباحثين، وهي ان سكان العراق لم تكن اغلبيتهم مسلمة، ويدل على ذلك المقدار الكبير من اموال الجزية في العراق، اذ بلغ بعد الفتح مباشرة نصف مليون درهم من البصرة فقط، ووصل في عهد معاوية الى اربعين مليون درهم، وظل كذلك حتى العصر العباسي حين كتب القاضي ابو يوسف كتاب الخراج للرشيد، وهذا يجعل من تجربة الإمام علي في قيادة دولة متعددة الأعراق والأديان والأطر الثقافية تجربة رائدة وفريدة رغم مصاعبها، ومن المحتمل ان تكون تجربة العراق قد عكست عناصرها في عهد الأشتر انعكاسا واضحا ليتلاءم مع أوضاع مصر التي ربما كان المسيحيون الاقباط ما يزالون اغلبية السكان فيها آنذاك.
وعلى الرغم من ان عهد الإمام علي(عليه السلام) الذي لم يستمر سوى أربع سنوات ونصف ملأته النزاعات غير الشرعية بدءً من معركة الجمل وحرب صفين وحرب النهروان مرورا بانقسام المجتمع الإسلامي انقساما خطيرا، الا ان هذه النزاعات رغم فداحتها لم تؤثر في صياغة العهد العظيم الذي يعد العهد الأعظم للمسلمين قبل صدور العهد الأعظم البريطاني عام 1215م.
ان دراسة مبادئ الدولة عند الإمام علي ستقودنا مباشرة الى مفهوم الديمقراطية المعاصرة القائم على مبدأ ان الحكم الديمقراطي حكم قوانين وليس حكم أشخاص.
لقد التزم الإمام علي بالمنهج العقائدي التزاما صارما، ولكنه حوله الى منهج علمي لإدارة الدولة والمجتمع واخرجه من نصوصه الى التطبيقات العملية كما في المنهج الديمقراطي السائد حاليا في الدولة الديمقراطية الأوربية، اذ العدالة والمساواة تطبقان بوساطة القانون، وهذا معنى المساواة أمام القانون.
ان المفهوم العظيم الذي صاغه الإمام علي في أنّ الانسان(إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق) هو مفهوم يحقق مبدأ المساواة أمام القانون ويعطي المواطنة حقوقها الكاملة، وبذلك تكون دولة الإمام علي(عليه السلام) أول دولة مواطنة في التاريخ.

 

نشرت في مجلة الولاية العدد 75

مقالات ذات صله