عـــبرة التاريــخ والواقعة في «حركة السفياني»

المهدي ع

محمد علي رياض

السفياني من العلائم المحتومة في حركة ظهور الإمام المهدي عليه السلام. فهو عدوه اللدود، وإن كان هو بالحقيقة واجهة للقوى المعادية التي تقف وراءه كما ستعرف. وقد نصت الأحاديث الشريفة على أن خروجه وعداً إلهياً محتوماً، فعن الإمام زين العابدين عليه السلام: (إن أمر القائم حتم من الله، وأمر السفياني حتم من الله، ولا يكون قائم إلا بسفياني) البحار : 53 / 182.
وأحاديث السفياني متواترة بالمعنى، وقد يكون بعضها متواتراً بلفظه. وفيما يأتي جملة من ملامح شخصيته وحركته وأخباره.

 

ثقافته وولاؤه السياسي
وتدل الأحاديث على أنه غربي الثقافة والتعليم، وربما تكون نشأته هناك أيضاً ففي غيبة الطوسي ص 278 عن بشر بن غالب مرسلاً قال: (يقبل السفياني من بلاد الروم متنصراً في عنقه صليب. وهو صاحب القوم)، فهو مسيحي بعد أن كان أصله مسلماً. وتعبير: (يقبل من بلاد الروم) يعني أنه يأتي من هناك إلى بلاد الشام ثم يقوم بحركته. ويدل أيضاً على أن ولاءه السياسي للغربيين واليهود، إنه يقاتل المهدي عليه السلام الذي هو عدو الروم أي الغربيين، ويقاتل الترك أو إخوان الترك الذين يحتمل أن يكونوا الروس. وأنه يلجأ أثناء الحرب أمام زحف جيش المهدي عليه السلام من دمشق إلى الرملة بفلسطين التي ورد أنه تنزل فيها مارقة الروم. بل يظهر أنه يخوض المعركة ضد المهدي عليه السلام باعتباره خط الدفاع الأمامي عن اليهود والروم، لأن الأحاديث الشريفة تتحدث عن انهزام اليهود بهزيمته. كما يدل على ولائه للغربيين أن جماعته بعد هزيمته وقتله، يهربون إلى الروم ثم يسترجعهم أصحاب المهدي عليه السلام ويقتلونهم.
فعن ابن خليل الأزدي قال: سمعت أبا جعفر يقول في قوله تعالى: (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ * لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ) قال: إذا قام القائم وبعث إلى بني أمية بالشام هربوا إلى الروم، فيقول لهم الروم لا ندخلكم حتى تنصَّروا، فيعلقون في أعناقهم الصلبان ويدخلونهم. فإذا بحضرتهم أصحاب القائم طلبوا الأمان والصلح، فيقول أصحاب القائم: لا نفعل حتى تدفعوا إلينا من قبلكم منا. قال فيدفعونهم إليهم. فذلك قوله تعالى: (لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ). قال: يسألهم عن الكنوز وهو أعلم بها، قال: فيقولون: (قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ). ومعنى: (إذا نزل بحضرتهم أصحاب القائم طلبوا الأمان): أن أصحاب المهدي عليه السلام يحشدون قواتهم في مواجهة الروم ويهددونهم. والمقصود ببني أمية أصحاب السفياني كما نصت على ذلك أحاديث أخرى. ويبدو أنهم وزراؤه وقادة جيشه، وأن لهم أهمية سياسية كبيرة، ولذلك تصل قضيتهم إلى حد تهديد المهدي عليه السلام وأصحابه للروم بالحرب إذا لم يسلموهم إياهم.

محاولته إعطاء حركته الطابع الديني:
وهو أمر طبيعي بملاحظة المد الإسلامي الذي يتعاظم قرب ظهور المهدي عليه السلام. وبملاحظة أن حركته خطة رومية يهودية لمواجهة المد الإسلامي. والمتتبع لأخبار السفياني يجد الأدلة والإشارات على محاولته هذه. منها، ما في مخطوطة ابن حماد ص 75 أن السفياني: (شديد الصفرة به أثر العبادة)، مما يعني أنه يظهر بمظهر المتدين، ولكن ذلك يكون أول أمره فقط كما يذكر حديث آخر.
وقد يستشكل في وجه الجمع بين ذلك وبين كونه متنصراً يعلق صليباً في عنقه عندما يأتي من بلاد الروم، ولكن ما نراه من حالة السياسيين العملاء للغرب يرفع الإشكال حيث يعيش بعضهم مع النصارى حتى لا يكاد يتميز عنهم، وقد يتقرب إليهم بلبس الصليب الذهبي في عنقه أو في ساعته وحضور مراسمهم في الكنائس. حتى إذا زعَّموه على المسلمين تظاهر بالصلاة والتدين، لكي يخدع المسلمين بأنه منهم !
بل يدل الحديث المتقدم عن مخطوطة ابن حماد ص 76: (يقتل العلماء وأهل الفضل ويفنيهم، ويستعين بهم، فمن أبى عليه قتله)، على أنه يحرص على إعطاء الطابع الإسلامي لحركته والشرعية لحكمه، ويجبر العلماء على ذلك. ولعل تعبير يفنيهم مصحف عن: (يفتنهم).

 

نشرت في الولاية العدد 90

مقالات ذات صله