الاصلاح الحسيني

ك

رياض مجيد الخزرجي

ما أن نقترب من شهر محرم الحرام حتى تتبادر في ذهن كلّ موالٍ لأهل البيت(عليهم السلام) الصور التي يعشقها من هذا الشهر، فمنهم من تدور في ذهنه صورُ خدمة الزائرين والآخر المجالس الحسينية وكيفية إدارتها والبعض الآخر المشق والمشاعل…إلخ.
وكل هذه الصور الجميلة والمعبرة اذا ماجمعناها مع بعضها فستكوّن لنا لوحةً أكبر وأكثر جمالاً، وهذه الصور المادية يعيشها الانسان التي مضت أو التي يترقبها قبل أيام من بدء شهر محرم الحرام، وهناك صورٌ فكرية ومعنوية ليس من السهل للعقل البشري أن يتخيلها لانها أكبر من الخيال والتصور الطبيعي وإن افترضنا أنها قابلة للتصور فمصاديقها نادرة على أرض الواقع، و من هذه الصور العظيمة التي رسمها الإمام الحسين(عليه السلام) لنا منذ اللحظات الأولى لخروجه من المدينة متجهاً نحو العراق خطها بفرشاة معرفته وتقواه ومقامه الرفيع، فكانت مصداقاٌ لكلامه قبل أن يكون الكلام كلاماً فراغاً عن المصداق وهكذا هو دأب أهل البيت(عليهم السلام)، اذ نرى منهم المصاديق قبل أن نتصور ما يقولون في شتى مجالات الحياة.
فما اهم تلك الصور التي رسمها الإمام الحسين(عليه السلام) لتبقى عالقة في أذهاننا وأذهان الأجيال التي سبقتنا أو الذين سيلحقون بنا؟

صورة الاصلاح الحسيني
إنّها صورة الإصلاح، وهو القائل: (إنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر).
وهل هناك لوحة في الكون أجمل وأروع من هذه اللوحة.
فما هو الاصلاح وما الذي أراده الإمام الحسين من ذلك الاصلاح الذي ضحى من أجله بأبنائه البررة وأخوته الغر الميامين وأصحابه الذين لم يعلم أصحاباً أبر وأفضل منهم، وعرّض عياله وأطفاله للسبي من بلد الى بلد.
لقد أراد الإمام الحسين(عليه السلام) أن يقيم عود الأمة وساق الشجرة التي عملت بها معاول معاوية ويزيد لإزالتها وإرجاعها الى سابق عهدها من الجاهلية والتخلف والكفر، ولكن أبى الله إلاّ أن يتمّ نوره بدم منير فلم يكن من شيء يسقي هذه الشجرة الطاهرة إلاّ دم كدم الحسين عليه السلام زكي مطهر من رب السماء، أراد الإمام أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يأمر بالمعروف بعد ان أصبح كلمة فارغة من المضمون والمحتوى، وينهى عن المنكر الذي أصبح متفشياً يضرب بأطنابه أركان الدولة الاسلامية التي ضحى من أجلها النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله)، حتى قال الله عزوجل: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودة في القربى)،.

الاصلاح غير المحدود
الإمام الحسين(عليه السلام) لم يُرد الاصلاح في ذلك المقطع الزمني فحسب بل أراد للاصلاح أن يستمر على طول الدرب واراد من خلال تلك التضحيات الجسيمة أن يبقى اسمه مقترناً بذلك الاصلاح فكلما تذكرنا تلك المأساة تذكرنا ذلك الاصلاح وكلما تذكرنا الحسين عدنا الى رشدنا والى أنفسنا نحاسبها ونسألها هل نحن مشمولون بذلك الاصلاح؟
فإن كنا غير مشمولين، فليرجع كلٌّ منّا الى نفسه وسيرته ليدقق النظر في مسيرة إصلاحه، فهل هو على الخط الحسيني والأخلاق الحسينية الرشيدة أم يشعر بأنه انحرف عن المسار وتاهت به الاقدار لترمي به في غياهب الظلمات، وهذه هي فلسفة الاصلاح الحسيني،
مسيرة الاصلاح على طول الطريق
فإن كنّا ندّعي بصدق أننا من أتباع مدرسة الحسين في التضحية والفداء من أجل المبادئ علينا أن ندقق النظر أولاً في أنفسنا ونحاسبها فمسيرة الاصلاح ليست فقط في محرم وصفر وبعد هذين الشهرين ينتهي كلُّ شيء بل هي في كل يوم وفي كل ليلة صباحاً ومساءً لذلك عبّر الامام الحجة(عجل الله فرجه) في زيارة الناحية: (لأبكين عليك صباحاً ومساءً)، لكي نثقف أنفسنا بالثقافة الحسينية الرصينة، علينا أن نصلح أنفسنا وعند ذاك نستطيع أن نقول قد طبّقنا جزءً مهماً من مسيرة الاصلاح الحسيني الطاهرة.

 

نشرت في الولاية العدد 90

مقالات ذات صله