الكوفة وظهرها..

marqad_muslim_t2

فائق الشمري

سميت في فترة من الفترات بـ( سورستان ) و(خد العذراء )، وحينما مصرها العرب عرفت بالكوفة من التكوّف(التجمع) وسميت كوفاني وهي(المواضع المستديرة من الرمل)، وكل ارض فيها الحصباء مع الطين والرمل تسمى (كوفة)، وسميت (كوفان) بمعنى (البلاء والشر) أو (ما بين الدغل والقصب والخشب)، كما سميت بكوفة الجند ( لانها أسست لتكون قاعدة عسكرية تتجمع فيها الجند ) ..

ومهما يكن اسمها فإن الكوفة؛ عاصمة أمير المؤمنين عليه السلام وفيها شيعته ومحبوه وأنصاره، يقول أمير المؤمنين(عليه السلام) فيها:(إن مكة حرم إبراهيم عليه السلام والمدينة حرم رسول الله صلى الله عليه وآله والكوفة حرمي).
وبالقرب من مركز هذه المدينة كان ظهر الكوفة -النجف – متنفسا كبيرا، لاعتدال أجوائها وطيب هوائها، مزدانة بالخضرة النظرة وكثرة الازهار حتى عرفت بخد العذراء لذلك.
وهنالك ملك من ملوك ذلك الزمان يخلع اسمه على واحدة من الزهور التي كانت منتشرة فيها وسماها(شقائق النعمان) لشدة أعجابه بها بل ذهب اكثر من ذلك وهو معاقبة كل من يجرأ ويقطف واحدة منها.
على ان تاريخ هذه المدينة لم يقتصر على ذلك حسب، بل كان لها تاريخ آخر ضارب بالقدم ارتبط بقدامى أهل العراق وهم البابليون على وجه التحديد، حينما عزم بخت نصر الى جعل ظهر الكوفة حصنا آمنا جمع فيه القبائل العربية مستفيدا من أرتفاع المنطقة عما جاورها(1)
على إن المتتبع والراغب بالاستزادة يجد في بعض كتب التاريخ نصوصا تشير الى حوادث مرتبطة بالكوفة أكثر قدما في تاريخها من ذلك، منها ما يعود إلى زمن النبي إبراهيم (عليه السلام)(2).
من كل ذلك يتبين ان للكوفة فضلها وخصوصيتها.. تاريخاً ضارباً في القدم، حاضراً مميزاً، ومستقبلاً كبيراً يوم تتوج عاصمة لحجة الله في أرضه.
روى الشيخ الصدوق في الخصال، بسنده عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: (إن الله اختار من البلدان أربعة فقال عز وجل: (والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين) فالتين المدينة، والزيتون بيت المقدس، وطور سينين الكوفة، وهذا البلد الأمين مكة)(3).
وذكر الحموي في معجم البلدان عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: (الكوفة كنز الإيمان وجمجمة الإسلام وسيف الله ورمحه يضعه حيث يشاء، والذي نفسي بيده لينصرّن الله جلّ وعزّ بأهلها في شرق الأرض وغربها كما انتصر بالحجاز)(4).
من هنا يتبين السر الذي جعل من الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) يختارها مركزا لخلافته، ومستقرا لجسده الطاهر بعد شهادته، ومحلا لتأملاته والخلوة بنفسه: (وكان اذا اراد الخلوة بنفسه أتى طرف الغري)(5) .. حيث يجد في هوائها ما لايجده في غيرها مصوبا نظره نحو السماء مغرقا في تأملاته يخاطبها بالقول: (ما أحسن ظهرك وأطيب قعرك! اللهم اجعل قبري فيها)(6).
تحقيقا لبشارة أخبره بها المصطفى(صلى الله عليه واله): (…ثم ارض كوفان فشرفها بقبرك يا علي..
فقال: اقبر بكوفان العراق؟
فقال له: نعم ، تقبر بظاهرها قتلا بين الغريين والذكوات البيض..)(7).
لذا لم يتوقف عن شرائها من الدهاقين(التجار) بأربعين الف درهم وأشهد على ذلك.
رغم إشكال الاخرين عليه كونها لا تنبت وليس لها حظ من الزراعة..
فكان يجيب بما عرف عنه من ورع ودماثة خلق وهو خريج مدرسة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وباب مدينة علمه ليطلعهم على سر كبير عجزوا ان يدركوه، قوله: (سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : «كوفان يرد أولها على أخرها، يحشر من ظهرها سبعون الفا يدخلون الجنة بغير حساب».. فاشتهيت أن يحشروا في ملكي)(8).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- الكافي ، الكليني: 1/10.
2- معجم البلدان، الحموي : 1/331.
3- ا الخصال، الشيخ الصدوق،:ص225.
4- معجم البلدان، الحمويني:ج4ص492.
5- البحار، المجلسي: 223
6- فرحة الغري، علي بن طاووس: 2/23
7- الغارات، الثقفي:2/844.
8- الغارات، الثقفي: 2/845.

مقالات ذات صله