الإمام الجواد(عليه السلام).. إشراق من سيرته

138

حمود الصراف

في بيت أذن الله أن يرفع فيه اسمه، ملؤه العظمة والحكمة، وتتدفق منه الكرامات وسبل هداية الأمة، بسق فرع طيب من أصل كريم، من الشجرة المحمدية المباركة، مطهر من كل دنس، فرع رسالي من الشجرة المحمدية المباركة.
النور التاسع في بيت الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام) الذي انتظره خمساً وخمسين سنة من عمره الشريف في عاصمة الاسلام الأولى المدينة المنورة.

تلألأت منه اشراقات الإمامة منذ صغره (سلام الله عليه) وكانت العلوم الإلهية تتدفق على يديه، فهو سليل الدوحة المحمدية المباركة وقد نهل العلوم وورثها عن جده رسول الله واحتوى كل شيء فكان جوابا لكل ما يحتار فيه اللب وقد نوه به والده الإمام علي بن موسى الرضا في مناسبات مختلفة بأنه إمام مفترض الطاعة لا مجال للحياد عنه، فعن معمر بن خلاد: (سمعت الرضا ذكر شيئاً فقال: ما حاجتكم الى ذلك؟ هذا ابو جعفر قد اجلسته مجلسي وصيرته مكاني وإنا اهل بيت يتوارث اصاغرنا اكابرنا القذة بالقذة).
ولد (عليه السلام) في العاشر من شهر رجب سنة 195هـ وقيل: في السابع عشر من شهر رمضان المبارك أو في النصف منه، تولى الإمامة وسنّه سبع سنين تقريبا، وكانت مدة إمامته سبع عشرة سنة عاصر فيها من ملوك بني العباس: المأمون والمعتصم، وفي أول ملك المعتصم استشهد عن عمر بلغ خمسا وعشرين سنة وثمانية عشر يوما.
أبوه الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، الإمام الهمام غريب طوس وسليل الدوحة العلوية المباركة، الذي اشتهر فضله وذاع صيته بين المحبين والمبغضين على حد سواء، أما أمه فهي أم ولد يقال لها: (سبيكة) أو(درة)، وقيل ان الرضا (عليه السلام) سماها(خيزران)، وكانت نوبية – النوب: بلاد في السودان، ويقال انه اسم جبل فيها- وروي أنها كانت من بيت مارية أم إبراهيم ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ويكفي في بيان ما لها من الفضل ما جاء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مبشرا بالإمام الجواد (عليه السلام): (يأتي ابن خيرة الإماء ابن النوبية الطاهرة الطيبة الفم المنتجبة الرحم..).

الامام الجواد.. فضائل ومناقب:
ورد الكثير من الروايات الشريفة التي تشهد على الفضائل العظيمة والمناقب الكريمة للإمام الجواد (سلام الله عليه) فقد امتاز هذا الإمام الهمام بميزة حمله لتكاليف الإمامة وهو بعد لم يبلغ الحلم وقد كان لهذه الحادثة في تلك المرحلة الحساسة من تاريخ المسلمين دور كبير في بلورة حقيقة مقام الإمامة في عقيدة أتباع أهل البيت (عليهم السلام)، إذ برهن الإمام الجواد (عليه السلام) عمليا ان فرع الإمامة المقدس ما هو إلا امتداد لشجرة النبوة التي لا يُشترط في أهلها قيود متعارفة بين الناس كصغر السن أو ما شابه، وقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه واله): قوله:(.. من أحب أن يلقى الله عز وجل وقد رفعت درجاته وبدلت سيئاته حسنات فليوال محمد بن علي الجواد..)(2) وروي عن الإمام الرضا (عليه السلام) قوله: (والله لا تمضي الأيام والليالي حتى يرزقني الله ذكرا يفرق بين الحق والباطل)، وعنه (عليه السلام) في الجواد (عليه السلام) أيضا: (هذا المولود الذي لم يولد مولود أعظم بركة على شيعتنا منه)(3)، ولعل الكثير من هذه الأحاديث جاءت للدلالة على إمامة الجواد عليه السلام، لان أئمة أهل البيت (عليهم السلام) كانوا يعلمون تماما ما سيُمتحن به الناس في إمامته (عليه السلام) بالنظر إلى صغر سنه (سلام الله عليه).

من كرامات الإمام (عليه السلام):
أجرى الله تبارك وتعالى على يدي الإمام (سلام الله عليه) الكثير من الآيات الباهراة التي تعد كل واحدة منها دليلا وافيا على ولايته وعلى ارتباطه المباشر بعالم الغيب المقدس، من ذلك ما روي عن عمارة بن زيد انه قال: رأيت محمد بن علي عليه السلام فقلت له: يا ابن رسول الله ما علامة الإمام؟ قال: (إذا فعل هكذا) فوضع يده على صخرة فبانت أصابعه فيها، ورأيته يمد الحديد بغير نار ويطبع الحجارة بخاتمه(7). وعن أمية بن علي قال: كنت بالمدينة وكنت أختلف إلى أبي جعفر عليه السلام وأبوه بخراسان، فدعا جاريته يوما فقال لها: (قولي لهم يتهيأون للمأتم) فلما تفرقنا من مجلسنا أنا وجماعة قلنا: ألا سألناه مأتم من؟ فلما كان الغد أعاد القول، فقلنا له: مأتم من؟ فقال : (مأتم خير من صلى على ظهر الأرض) فورد الخبر بمضي أبي الحسن عليه السلام بعد أيام(8).

نهاية المطاف:
روي عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنه قال: (يقتل ابني محمد عليه السلام غصبا، فتبكي عليه أهل السماء والأرض، ويغضب الله عز وجل على عدوه وظالميه، ولم يلبث إلا سنة حتى يحل الله به عذابه الأليم وعقابه الشديد الجسيم)(9).
وورد في التاريخ ان شهادة الإمام الجواد(عليه السلام) كانت على يدي زوجته أم الفضل بنت المأمون، إذ اغتالته بتحريض من المعتصم العباسي حينما علم ان فيها حقدا وانحرافا عن الإمام (عليه السلام)، فتعمدت دس السم إليه في تسع عشرة حبة من العنب، فلما أكلها بكت اللعينة، (فقال (عليه السلام) لها: مم بكاؤك، والله ليضربنك الله بفقر لا ينجبر وبلاء لا ينستر فبليت بعده بمرض في أغمض المواضع من بدنها، وأنفقت عليه ملكها حتى احتاجت إلى رفد الناس)(10). فلم ينفعها دواء ولا علاج حتى هلكت بمرضها هذا.
ثم إن الإمام (عليه السلام) مكث والسم يجري في مفاصله حتى قبضه الله تعالى إليه مظلوما مهضوما في آخر شهر ذي القعدة سنة 220هـ.
فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيّا..
——————————-
المصادر:
1. الإرشاد للمفيد: 2/266.
2. بحار الأنوار: مج27/108.
3. الكافي: 1/309.
4. المصدر السابق: 1/321.
5. الإرشاد: 2/280.
6. سيرة الأئمة الاثني عشر:2/ 434.
7. دلائل الإمامة: 399.
8. الدر النظيم: 712.
9. وفيات الأئمة: 339.
10. مدينة المعاجز: 7/409.

نشرت في  الولاية العدد 84

مقالات ذات صله