القلم في الكتاب والسنة

Earth-From-Space-Image-2

رسول كاظم عبد السادة

لا شك ان للقلم في اللغة والاصطلاح اطلاقات عدة، ولما كان كلامنا جاريا على عدة وجوه وحيثيات فاننا اولا سوف نبدأ بالمعنى الحقيقي للقلم، رعاية للتدرج المعرفي الذي يقتضي معرفة الحقائق ثم المعاني ثم الصور .
وهو بهذا المعنى مرتبة وجودية عظمى وصفت في الاخبار باوصاف عجيبة تكل عن ادراك معناها العقول، ونحن نذكر هنا مما فتح الله لنا به بوساطة آل محمد (صلوات الله عليهم) مما سطروه في الواح عقولنا وبقدر ما نفهم نذكر، فما كان من صواب فمنهم واما الخطأ فلا شك انه منّا، والله يهدي الى سواء الصراط.

ان لكل موجود حقيقة عليا هي من ربه وهي النور وهي الفؤاد، ولا شك ان أول الموجودات واسماها واعلاها تحققا هو وجود محمد وال محمد (صلوات الله عليهم) في العالم الاول وهذا الوجود هو فوق التقييد وفي صقع الاطلاق ومنه الخلق وبه الخلق، وهذا الوجود يسمى بالوجود المطلق، لانه ليس فيه حيثية قيد مع ما سواه.
اذا فهمت ذلك واتقنته بنحو اليقين، فاعلم ان القلم في الاصطلاح ما يكتب به، أي اظهار ما في الاطلاق الى التقييد، فما كان في اصل الذهن من فكر فهو مطلق، فاذا كتبته بالقلم انزلته الى رتبة التقييد واليه الاشارة في الحديث (قيدوا العلم بالكتابة).
فالقلم الاعلى الاول هو من عالم التقييد لا الاطلاق، فعلى هذا يكون عالم الاطلاق اعلى رتبة منه، وقد عرفت ان وجود ال محمد (صلوات الله عليهم) هو الوجود المطلق فهو اعلى رتبة من القلم.

العقل الاول
ففي الحديث في خلق ال محمد وانوارهم قال: وخلق مائة بحر قال(صلى الله عليه واله): فمكثا في كل بحر من البحور، سبعة آلاف عام ثم ان الله تعالى خلق القلم، ولما كانت (ثم) تفيد الترتيب عرفنا ان خلق القلم مرتب على خلق انوار آل محمد(صلى الله عليه واله).
فهذا في عالم الخلق الذي يأتي بعد عالم الامر، واول ما خلق الله في هذا العالم هو العقل او النور او الروح المحمدي كما تفيد الاخبار فقد جاء في الحديث: اول ما خلق الله العقل ثم قال له اقبل فاقبل… الخ.
ويبدو من الاخبار ان الاقلام متعددة، والنقل يؤيد ذلك فقد جاء في دعاء اول ليلة من رجب ((اسالك يا مولاي بالفجر والليالي العشر والشفع والوتر والليل اذا يسر وبما جرى به قلم الاقلام بغير كف ولا ابهام)).
فالقلم الاول هو قلم الاقلام وهو الذي جرى بيمين الله سبحانه واثبت كل ما يكون من غير ان تحركه يد او ابهام، وانما حركته القدرة.

الوجه الثاني أَنَّه ملك
عن سفيان الثوري، قال: سألت جعفر بن محمد (عليهما السلام) عن (ن) فقال: هو نهر في الجنة، قال الله عزوجل: اجمد، فجمد فصار مدادا ثم قال عز وجل للقلم: اكتب، فسطر القلم في اللوح المحفوظ ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة، فالمداد مداد من نور، والقلم قلم من نور واللوح لوح من نور، قال سفيان: فقلت له: يا ابن رسول الله بين لي أمر اللوح والقلم والمداد فضل بيان، وعلمني مما علمك الله. فقال: يا ابن سعيد، لو لا أنك أهل للجواب ما أجبتك، فنون ملك يؤدي إلى القلم وهو ملك، والقلم يؤدي إلى اللوح وهو ملك، واللوح يؤدي إلى إسرافيل، وإسرافيل يؤدي إلى ميكائيل، وميكائيل يؤدي إلى جبرئيل وجبرئيل يؤدي إلى الانبياء والرسل (معاني الاخبار 29).
وهذا الملك قد اودع الله فيه جميع ما يكون ثم ختمه فلم ينطق، ومعنى عدم نطقه انه بين فيه العلل والاسباب والاحكام واودعها في اللوح المحفوظ، فلم ينطق الى يوم الوقت المعلوم وذلك الوقت هو يوم قيام القائم، فعندها يجري قلم التغيير على العوالم ويكتب القلم امرا غير الذي كان، اما الان فجفت الاقلام بما هو كائن، والمعنى دقيق يحتاج الى امعان فكر ونظر والاخبار تشير الى ذلك.
فقد روي عن أبي عبد الله(عليه السلام) في حديث طويل يشير فيه الى (ن) والقلم قال: وأما (ن) فكان نهرا في الجنة أشد بياضا من الثلج، وأحلى من العسل، قال الله عزوجل له: كن مدادا، فكان مدادا، ثم أخذ شجرة فغرسها بيده، ثم قال: واليد القوة، وليس بحيث تذهب إليه المشبهة، ثم قال لها: كوني قلما، ثم قال له: اكتب، فقال: يا رب وما أكتب ؟ قال: ما هو كائن إلى يوم القيامة. ففعل ذلك، ثم ختم عليه، وقال: لا تنطقن إلى يوم الوقت المعلوم (علل الشرائع 2/87).

شجرة الخلد
اما هذه الشجرة التي وصفت بانها شجرة الخلد، فهي الشجرة الزيتونة المباركة الكلية للوجود، وهذا القلم هو اول غصن اخذ من شجرة الخلد التي منى ابليس ادم بها فتمناها وترك الاولى فأُهبط من الجنة، إذ قال له ابليس: (هل ادلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى) وهذه الشجرة هي شجرة المشيئة الالهية.
جاء في حديث عن رسول الله (صلى الله عليه واله) عن خلق انوارهم (عليهم السلام) قائلا: ثم ان الله تعالى خلق القلم وقال له -اكتب، قال وما اكتب يا رب؟ قال اكتب توحيدي فمكث القلم سكران من قول الله عز وجل عشرة آلاف عام ثم افاق بعد ذلك قال وما اكتب؟ قال: اكتب لا اله الا الله محمد رسول الله علي ولي الله، فلما فرغ القلم من كتابة الاسماء قال: يا رب من هؤلاء الذين قرنت اسمهما باسمك قال الله تعالى: يا قلم، محمد نبييّ وخاتم اوليائي وانبيائي، وعلي وليّي وخليفتي على عبادي وحجتي عليهم، وعزتي وجلالي لولاهما ما خلقتك ولا خلقت اللوح المحفوظ (مدينة المعاجز/ 139).

نشرت في الولاية العدد 84

مقالات ذات صله