سفارات كاذبة في عهد الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف

متى ترانا ونراك

د. بهاء الموسوي

لم يكن ادّعاء البابية والنيابة عن الإمام بالشيء الجديد الذي لم تعهده الشيعة من قبل, اذ حدثت ادعاءات كاذبة سابقا من المنافقين والمكذبين والطامحين للحصول على مناصب اجتماعية وسياسية او للحصول على منافع دنيوية معينة.
فقد ادعى بعضٌ النيابة عن الأئمة كذبا وتلفيقا. وصدرت من الأئمة (عليهم السلام) أوامر بلعنهم والتبرؤ منهم.

ولما وصل الامر الى الامام الثاني عشر(عليه السلام) كانت فرصة الصيد بالماء العكر أسهل وايسر للغيبة التي فيها الامام والجو السياسي الملبد الذي يسهل فيه اثارة الفتن, وقد صدرت توقيعات من الامام المهدي بطردهم ولعنهم والبراءة منهم، وسنحاول التركيز على جملة من هؤلاء الذين وصلت الينا اخبارهم:

الشريعي او السريعي:
عن أبي محمّد التلعكبري عن أبي عليّ محمّد بن همام قال: كان الشريعي يكنّى بأبي محمّد. قال هارون: وأظنّ اسمه كان الحسن وكان من أصحاب أبي الحسن عليّ بن محمّد، ثُمَّ الحسن بن عليّ بعده، وهو أوّل من ادّعى مقاماً لم يجعله الله فيه، ولم يكن أهلاً له، وكذب على الله وعلى حججه(عليهم السلام) ونسب إليهم ما لا يليق بهم وهم منه براء، فلعنته الشيعة، وتبرَّأت منه وخرج توقيع الإمام بلعنه والبراءة منه.

محمد بن علي بن أبي العزاقر الشلمغاني
كان من أعلام الشيعة وألف كتبا في التشيّع، ولكنه لمنافسة جرت بينه وبين الحسين بن روح النوبختي – النائب الثالث للإمام المهدي (سلام الله عليه)- خرج عن طوره وأخذ يدعي دعاوى غير صحيحة، فحكم الإمام(سلام الله عليه) في توقيع من توقيعاته المقدسة بضلاله وانحرافه، وأعلن عن ذلك سفيره الحسين بن روح النوبختي.
ومحمد بن علي الشلمغاني لم يكن رجلا من السوقة، إنما كان عالما من علماء الطائفة، كان وجها من وجوه المذهب، وكانت كتبه تملأ المكتبات الإسلامية، فوقع بعض الشيعة في ريب من امره، اذ كيف يمكن لرجل يملك هذه العلمية والفضيلة أن ينحرف بهذا الشكل، وقد سألوا الحسين بن روح النوبختي: ما نصنع وبيوتنا مليئة من كتبه؟ فاجابهم: أقول لكم كما قال الإمام العسكري(سلام الله عليه) في بني فضال «خذوا بما رووا وذروا ما رأوا»، وبنو فضال بيت من البيوت العلمية الشيعية انحرفوا فصاروا واقفية.

محمّد بن نصير النميري
كان محمّد بن نصير النميري من أصحاب أبي محمّد الحسن بن عليّ(عليهما السلام) فلمَّا توفّي أبو محمّد ادّعى أنَّه صاحب إمام الزمان وادّعى البابية، وفضحه الله تعالى بما ظهر منه من الإلحاد والجهل، ولعن أبي جعفر محمّد بن عثمان له وتبرّيه منه واحتجابه عنه .
قال سعد بن عبد الله: كان محمّد بن نصير النميري يدّعي أنَّه رسول نبي وأنَّ عليّ بن محمّد(عليه السلام) أرسله، وكان يقول بالتناسخ ويغلو في أبي الحسن ويقول فيه بالربوبية، ويقول بالإجابة للمحارم وتحليل نكاح الرجال بعضهم بعضاً في أدبارهم، ويزعم أنَّ ذلك من التواضع والإخبات والتذلّل في المفعول به وأنَّه من الفاعل إحدى الشهوات والطيبات وأنَّ الله عزّ وجل لا يحرَّم شيئاً من ذلك.
وتبعه في أقواله جماعة سموا بالنميرية، ذكروا أن منهم: محمد بن موسى بن الحسن بن الفرات، وهو لا محالة والد علي بن محمد بن موسى بن الفرات الذي وزر بعد ذلك للمقتدر المعاصر لسفارة ابن روح، استوزره عام 299 وبقي ما يزيد على ثلاث سنين في الوزارة، فمن هذا يظهر كيف تؤيد السلطات خط الانحراف الداخلي عن الأئمة(عليهم السلام) بنحو خفي لا يكاد يلتفت إليه.

أحمد بن هلال الكرخي
قال أبو عليّ بن همام: كان أحمد بن هلال من أصحاب أبي محمّد(عليه السلام) فاجتمعت الشيعة على وكالة أبي جعفر محمّد بن عثمان (رحمه الله) له بنصّ الحسن(عليه السلام) في حياته، ولمَّا مضى الحسن(عليه السلام) قالت جماعة لاحمد بن هلال: ألا تقبل أمر أبي جعفر محمّد بن عثمان وترجع إليه وقد نصَّ عليه الإمام المفترض الطاعة؟ فقال لهم: لم أسمعه ينصُّ عليه بالوكالة، وليس أنكر أباه -يعني عثمان بن سعيد – فأمَّا أن أقطع أنَّ أبا جعفر وكيل صاحب الزمان فلا أجسر عليه، فقالوا: قد سمعه غيرك، فقال: أنتم وما سمعتم، ووقف على أبي جعفر فلعنوه وتبرَّؤوا منه، ثُمَّ ظهر التوقيع على يد أبي القاسم بن روح (رحمه الله) بلعنه والبراءة منه في جملة من لعن.

الحسين بن منصور الحلاج
أخبرنا الحسين بن إبراهيم، عن أبي العبّاس أحمد بن عليّ بن نوح، عن أبي نصر هبة الله بن محمّد الكاتب ابن بنت اُمّ كلثوم بنت أبي جعفر العمري قال: لمَّا أراد الله تعالى أن يكشف أمر الحلاج ويظهر فضيحته ويخزيه، وقع له أنَّ أبا سهل بن إسماعيل بن عليّ النوبختي (رضي الله عنه) ممن تجوز عليه مخرقته، وتتمّ عليه حيلته، فوجَّه إليه يستدعيه، وظنَّ أنَّ أبا سهل كغيره من الضعفاء في هذا الأمر بفرط جهله، وقد رأى أن يستجرّه إليه فيتمخرق ويتصوّف بانقياده على غيره، فيستتب له ما قصد إليه من الحيلة والبهرجة على الضعفة لقدر أبي سهل في أنفس الناس ومحلّه من العلم والأدب عندهم أيضاً، ويقول له في مراسلته إيّاه: إنّي وكيل صاحب الزمان (عليه السلام) -وبهذا أوّل لا كان يستجر (الجهّال) ثُمَّ يعلو منه إلى غيره-وقد اُمرت بمراسلتك وإظهار ما تريده من النصرة لك، لتقوى نفسك، ولا ترتاب بهذا الأمر.
فأرسل إليه أبو سهل (رضي الله عنه) يقول لك: إنّي أسألك أمراً يسيراً يخفّ مثله عليك في جنب ما ظهر على يديك من الدلائل والبراهين، وهو أنّي رجل اُحبّ الجواري وأصبو إليهن ولي منهن عدّة أتخطّاهنَّ والشيب يبعدني عنهنَّ وأحتاج أن أخضبه في كلّ جمعة وأتحمّل منه مشقّة شديدة لأستر عنه ذلك وإلاَّ انكشف أمري عندهنَّ، فصار القرب بعداً والوصال هجراً، واُريد أن تغنيني عن الخضاب وتكفيني مؤنته، وتجعل لحيتي سوداء، فإنَّني طوع يديك وصائر إليك، وقائل بقولك، وداع إلى مذهبك، مع ما لي في ذلك من البصيرة، ولك من المعونة.
فلما سمع ذلك الحلاج من قوله وجوابه علم أنه قد أخطأ في مراسلته وجهل في الخروج اليه بمذهبه، وأمسك عنه ولم يرد اليه جوابا ولم يرسل اليه رسولا، وصيره أبو سهل(رضي الله عنه) أحدوثة وضحكا عند كل أحد، وشهر أمره عند الصغير والكبير، وكان هذا (الفعل) سببا لكشف أمره، وقتل من قبل السلطة العباسية بعد أن أفتى الفقهاء بإباحة دمه، فقطعت يداه ورجلاه وأحرق وألقي في دجلة.
وفي الختام نقول: لقد عملت السفارات الكاذبة على التشويش الفكري عند عامة الناس مما أدى الى نضج حركات فكرية منحرفة عن الخط الإمامي ناهيك عن استفحال المذاهب العلوية الخارجة عن منظومة الفكر الامامي الاثني عشري مثل الزيدية والاسماعيلية وغيرها من المذاهب الأخرى.

نشرت في الولاية العدد 84

مقالات ذات صله