(انترنت) بلا قيود.. مخاطر بلا حدود

Internet

حيدر محمد الكعبي

حينما بدأ رواج استخدام (الستلايت) بين الناس، برزت دعوات كثيرة تحذر من خطورة استخدامه، سواء على المستوى الديني ام على المستوى التربوي الذي تحرص عليه الأسر العراقية، باعتبار أن العديد من قنواته جاءت بثقافات غريبة عن واقعنا الاسلامي الملتزم.
وبالرغم من تلك الدعوات المحذرة والمقاومة لاحظنا انتشار أطباق (الستلايت) على سطوح البيوت انتشارَ النار في الهشيم..
واليوم نواجه حالة جديدة من النوع نفسه، ولكنها تواجه في الواقع صمتا غريبا، فلا رفض ولا تحذير، حتى باتت تتفشى بسرعة مخيفة، وأخذت تُقصي (الستلايت) عن الساحة.. تلك هي ظاهرة (الانترنت).

وبالرغم من ان مخاطر(الانترنت) لا تقل شأنا عن مخاطر(الستلايت) – اذا لم نقل بان خطر الاول اكبر- ولكن يبدو ان الآباء والمربين والمسؤولين صاروا يتعاملون مع هذه الظاهرة من احد منطلقين:
الاول: الاعتراف بالعجز عن مقاومة سحر(الانترنت) والاستسلام التام لانتشاره.
الثاني: الشعور بفائدة (الانترنت) وضرورته واهمية استخدامه.
لذلك، لم تجد هذه الاداة الجديدة امامها حواجز تذكر، على الرغم من انها جاءت كوافد غريب الى مجتمعنا العراقي، بعد ان كان مجهولا في السابق، وكأنها تريد ان تخالف الحكمة المشهورة: (الناس اعداء ما جهلوا).
ولكن.. مع التقصي والتحقيق والبحث، وجدنا ان هنالك جيوبا اجتماعية مقاومة لا تزال تحذر منه، بعد ان جمعت في جعبتها العديد من الادلة والبراهين التي تثبت خطورته وسلبيته مقارنة بفائدته.
(الولاية) قامت بجولة بين عدد من الاخوة لجمع اكثر ما يمكن من المعلومات وتقديمها امام القارئ الكريم ليكون الحكم له معنا في هذا الاستطلاع.

تربية الحصانة الاخلاقية
قالت السيدة زينب الخفاجي – ربة بيت- : انا في البيت احرص على ان اجنب اولادي مشاهدة القنوات التي تعرض لقطات غير ملتزمة او منافية للاداب الاسلامية في(الستلايت)، حفاظا على نقاء سريرتهم وصفاء ارواحهم من التلوث بهذه الصور السلبية، فكيف يمكن ان اوفر خدمة الانترنت لهم، بعد ان علمت ان فيه من الصور والمقاطع مايفوق الستلايت خطورة باضعاف مضاعفة.
واضافت: اذا تربى الاطفال والمراهقون على تجنب هذه اللقطات، سوف تنمو لديهم حصانة تجاهها، وبالتالي اذا واجهوا اي صور من هذا النوع بعد بلوغهم سن الرشد، فسوف تكون ردة فعلهم الطبيعية هي الرفض والاشمئزاز، على عكس ما لو تدربوا شيئا فشيئا على مشاهدتها والاعتياد على مثل هذه المشاهد الخادشة للحياء.

ما هكذا يُجمع الاصدقاء
السيد محمد العلوي احد طلبة العلوم الدينية علق على ظاهرة انتشار (الفيس بوك) بين الناس في (الانترنت) قائلا: اجد العديد من الشباب يقتلون اوقاتهم في تصفح شبكة التواصل الاجتماعي الشهيرة(الفيس بوك)، ولقد تتبعت عددا كبيرا من هذه التصفحات، فوجدت ان غالبيتها العظمى لا تحتوي الا على الكلام الفارغ والنكات والصورة المضحكة وما شابه ذلك، وكل ذلك عبارة عن هدر للطاقة والجهد والوقت دون ان يشعر الشاب الذي من المفترض ان يكون دائم العطاء في خدمة نفسه وخدمة من حوله، حريصاً على صرف سنين الشباب بالتعلم والتجربة المفيدة.
وعن دعوى جمع الاصدقاء في (الفيس بوك) والتعرف على اكبر عدد منهم وهو بحد ذاته امر جيد، قال السيد العلوي: اذا كان الانسان مهتما بالصداقة، فليتواصل مع اصدقاء حقيقيين، يعيشون معه همومه وتطلعاته، لا مع اصدقاء لا يعرف عنهم سوى صورة واسم يمكن ان يكونا مزيفين، وما هكذا يجمع الاصدقاء.

مواكبة التطور العالمي
سألنا الاخ صباح عباس عن فائدة (الانترنت) من وجهة نظره فقال: من الضروري لمجتمعنا ان يواكب التطور التقني الذي يحصل في العالم، ولا يبقى متخلفا عن مسيرة التقدم التكنلوجي، وربما يأتي اليوم الذي ينعتنا فيه الناس بالتخلف والرجعية بسبب الانغلاق عن هكذا منافذ ثقافية.
واضاف: انا اعتقد انه لا فائدة من محاربة انتشار (الانترنت) وانه سينتشر كما انتشر (الستلايت) خلال فترة وجيزة من الزمن، ولكن هذا لا يعني ان نفتح المجال لاستخدامه بحرية كاملة، بل يجب ان تتعلم الاجيال الكيفية الصحيحة لاستخدامه، وان تقنن الدولة والاسر مجالات استعماله بالنسبة للجيل الجديد، مثلا تحجب المواقع الاباحية فيه، ويراقب الاهل استخدامه من قبل ابنائهم بشكل متواصل لكي يكون استخدامه في الوجهة الصحيحة.

الانفتاح على العالم امر جيد
ابدى الاخ عبد الحسن الشافعي -احد العاملين في مجال الاعلام- ارتياحه لانتشار الانترنت في المجتمع معبرا عنها بانها حالة من الانفتاح على العالم، وقال:
ارى ان الانترنت يساعد في شحذ المواهب وتطوير الثقافة والمساعدة في حل المشاكل، بالاضافة الى رفع الوعي حول ما يدور في الساحة العالمية.
ان الانترنت يجعلنا متفاعلين مع الاحداث من حولنا، ولا نكون معزولين عن الواقع الخارجي، وان نعرف ما يجري من تطورات في الساحة السياسية والاقتصادية والعلمية والثقافية.
وعن المساوئ التي يحتويها(الانترنت)، من قبيل المواقع الاباحية وامثالها، قال الاستاذ الشافعي: هذا الامر يعود الى الانسان وتربيته، فاذا كان في الاصل ضعيفا تجاه هذه الامور فهو سيقع فيها بكل تأكيد، ولكنني على كل حال مع انتشار الانترنت واستخدامه، لانه مثلما اسلفت، فيه فوائد كبيرة لا يمكن تجاهلها.
الرقابة الاسرية معدومة
الاستاذ محمد علي شريف الخبير في مجال الشبكات الالكترونية قال: ان ظاهرة الانترنت ابتدأت على اساس اختراع شبكة خاصة لتبادل المعلومات العلمية بين المختصين، وهذه السمة بقيت ملازمة للانترنت حتى بعد ان انحرف عن غايته الاولى وتحول الى اداة للتسلية وقضاء الوقت.
ان مكمن الخطر الحقيقي للانترنت في كونه اداة تفاعلية اذ يتيح للمستخدم ان يشارك ويتحدث وينتقي بشكل واسع بخلاف ادوات الاعلام الأخرى ومن بينها الستلايت، وهذا يجعل منه اداة ذات جاذبية خطيرة تستهلك وقت وطاقة الشباب في مجالات متعددة خطيرة.
واضاف الاستاذ محمد علي: من جانب اخر فان استخدام الانترنت يكون في العادة بشكل شخصي، عبر الحاسوب المحمول او الموبايل مثلا، وهذا يصعّب على الاهل مراقبة الصفحات التي يدخلها ابناؤهم عبر(الانترنت) ويجعل من الرقابة الاسرية شبه معدومة بالنسبة للشباب والمراهقين.

سبب لانتشار الانحراف الجنسي
من جانبه، اكد الصحفي طالب شبر على خطورة الانترنت باعتباره من اكثر الوسائل التي تروج لظاهرة انتشار الخلاعة والانحراف الجنسي، اذ قال: بالكاد تجد صفحة من صفحات الانترنت خالية من الصور الخليعة والمخلة بالاداب والتعاليم الدينية، وهذا بحد ذاته اكبر مشجع للشباب على الانجراف وراء تيار الانحراف الجنسي في المجتمع.
انا اعتقد ان شيوع استخدام (الانترنت) هو المسؤول الحقيقي الذي يقف وراء انتشار ظاهرة المثلية الجنسية وغيرها بهذا الشكل الفظيع في مجتمعاتنا المحافظة، ويكفي ان تقرأ الاحصائيات العلمية التي تؤكد ان عدد المشتركين من بعض الدول في المواقع الجنسية يصل الى الالاف والاعداد مستمرة بالصعود، وصار(الانترنت) هو الوسيلة الاساسية للتواصل والترويج لهذا الامر المخزي.

ينبغي ان لا يتاح للجميع
اما ما يخص انتشار استخدام (الانترنت) بين الشباب في مجتمعنافقد، اكدت الدكتورة جنان محمد الاستاذة في كلية التربية في جامعة الكوفة على ان استخدام (الانترنت) المفيد ينحصر بالاشخاص الاختصاصيين الذين يحتاجون هذه الخدمة في انجاز اعمالهم، فالاستاذ الجامعي والطالب الحوزوي والمؤسسات الثقافية والاشخاص الفنيون الذين يعملون في مجال الاعلام ورجال الاعمال وامثالهم هم بحاجة فعلية لاستخدام (الانترنت) ولا غنى لهم عنه.
واضافت: اما استخدام(الانترنت) من قبل غير هؤلاء، فهو امر فيه خطورة ومضيعة للوقت، اذ يتحول الانترنت عند الانسان الى مجرد وسيلة للتسلية ويجر شيئا فشيئا الى نتائج وخيمة لا تحمد عقباها، لذا ارى ان لا يتاح(الانترنت) للجميع.

فائدة الانترنت العلمية.. كذبة كبيرة
الدكتور خليل ابراهيم المشايخي المختص في علوم اللغة واحد المشرفين التربويين، كان له رأي حول فائدة الانترنت العلمية، اذ قال:
بعد ان اطلعت على الانترنت واستخداماته بشكل عام، وجدت ان الفوائد التي ينسبونها الى الانترنت مبالغ فيها، فغالبية المعلومات التي يستعرضها سطحية، تجعل المتعلم يعتمد على المقاطع الفيديوية والتعليقات المقتضبة في تحصيل معلوماته، وهو ينذر بزوال عهد الكتاب الرصين الذي كان الناس يعتمدون عليه سابقا في تحصيل معلوماتهم وبناء افكارهم، لذا أعتقد ان الكلام اليوم حول فائدة الانترنت فيه الكثير من المبالغة بالنسبة للشباب بشكل عام.
واضاف: اليوم نجد الشباب يهجرون القراءة، وينكبون على(الانترنت) لانه يستهويهم بسهولته، وهنا يكمن الخطر، وانا اشبّه هذه الحالة بالمداومة على اكل الوجبات السريعة ذات الطعم اللذيذ، التي لا تمد الجسم بالعناصر الضرورية لدوام العافية، وترك الغذاء الصحي الذي يحتوي على المواد الغذائية الضرورية لبنية قوية وصحية.

خاتمة المطاف
بعد استقراء آراء الاخوة حول (الانترنت) وفائدته، يتبين لنا ان هنالك حاجة فعلية لان تكون لدى المجتمع حالة من الوضوح في الرؤية فيما يتعلق بالتعامل مع هذه الخدمة، وبخاصة فيما يتعلق بالاباء والمربين، اذ ان هؤلاء مسؤولون عن الاجيال الجديدة التي لا تميز بدقة جوانب الخطر والمنفعة التي تكمن في(الانترنت).
على الآباء والمربين ان يعلموا ان مسالة منع تداول (الانترنت) ليس امرا سلبيا على طول الطريق، فهنالك الكثير من المخاطر التي يتمكن الانسان من ان يبعدها عن ابنائه من خلال عدم توفير الوسيلة التي توقعهم في الخطر.
وحتى لو استطاع الابناء من ان يخرقوا هذا المنع بشكل سري، فان شعورهم بخطأ ما يفعلونه يبقى قائما في اعماق ذاتهم، على عكس ما لو وفر الاباء (الانترنت) هذه الخدمة وشجعوهم على استخدامها، اذ ان المخاطر التي يتعرضون لها عندئذ تكون هيّنة في نظرهم.
اما استخدام الانترنت من قبل شرائح مختصة تحتاجه بشكل فعلي فهو امر مفروغ منه، فطالب العلم والاستاذ الجامعي والاعلامي هم بحاجة للاستفادة من هذه الخدمة، ولكن يبقى هؤلاء بحاجة ايضا الى حصانة نفسية عالية من اجل ان لا يجرهم الانترنت الى استخدامات لا اخلاقية بدافع الفضول او التسلية.

نشرت في الولاية العدد 84

مقالات ذات صله