عيد الغدير وهلاك النعمان بن الحارث

87781cd5d58b15ed3625eff267e24cbe

الشيخ حسن العيساوي

حدثت كرامة في عيد الغدير لأمير المؤمنين عليه السلام عندما اعترض النعمان ابن الحارث على تنصيب علي عليه السلام أميرا لكل مؤمن ومؤمنة وطلب من الله سبحانه وتعالى ان يأتيه بعذاب أليم، وفعلا جاء العذاب في الدنيا وله جهنم في الآخرة.
لقد هلك النعمان بن الحارث مستخفا ببيعة الغدير التي هي عيد الله الاكبر وهو أعظم الأعياد وما بعث الله نبيا الا وهو يعيد هذا العيد، ويحفظ حرمته الا المبغضين لعلي عليه السلام.

روي حديث النعمان في كتب الشيعة والسنة فقد ذكره علماء السنة في كتبهم ووثقوه وقد ذكر الاميني قدس سره في كتابه الغدير تسعة وعشرين راوياً منهم على سبيل المثال الحافظ وعبيد الهروي ذكره في تفسيره غريب القرآن وكذلك ابو بكر النقاش الموصلي البغدادي في تفسيره شفاء الصدور وابو اسحاق الثعلبي في تفسيره الكشف والبيان والحاكم ابو القاسم الحسكاني في كتابه دعاء الهداة الى اداء حق الموالاة، وابو بكر يحيى القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن، ونشمي الدين ابو المظفر سبط ابن الجوزي الحنفي في كتابه تذكره الخواص.(الغدير: 1/434)
واما نص الواقعة عند الشيعة الامامية فقد روي عن جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام) عن آبائه(عليهم السلام) قال: لما نصب رسول اللّه عليا وقال: من كنت مولاه، طار ذلك في البلاد، فقدم على النبي(صلى الله عليه وآله) النعمان بن الحارث ‏الفهري قال: امرتنا عن الله ان نشهد ان لا اله الا الله، وانك رسول الله، وامرتنا بالجهاد والحج والصوم والصلاة والزكاة، فقبلناها، ثم لم ترض حتى‏ نصبت هذا الغلام فقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه. فهذا شيء منك، او أمر من عند الله؟
فقال: (والله الذي لا اله الا هو ان هذا من الله). فولى النعمان بن الحارث وهو يقول: اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء! فرماه الله بحجر على‏ راسه، فقتله، وانزل الله تعالى: (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * للْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِّنَ الله ذِي الْمَعَارِجِ)(امالي الطوسي: 602).
وفي هذه الرواية امور نذكر منها الآتي:

الأمر الأول:
ان هناك اشخاصا من العرب حقدوا وحسدوا الامام علياً(عليه السلام) ونصبوا العداوة له ورفضوا بيعة الغدير جملة وتفصيلا، وامتلأت قلوبهم بغضا لهذا المنصب الالهي والمنزلة التي جعلها الله لأمير المؤمنين(عليه السلام) اضافة الى الحقد السابق لأن علياً(عليه السلام) له المكانة المقربة من الرسول الاعظم (صلى الله عليه وآله) فهو ابن عمه وزوج ابنته الزهراء(عليها السلام) واخوه وخليفته في اهله وقد قال النبي(صلى الله عليه وآله): (ان اخي ووصيي ووزيري وخليفتي في اهلي علي بن ابي طالب يقضي ديني وينجز موعدي يا بني هاشم).
والمنافقون كتموا هذا البغض امام النبي(صلى الله عليه وآله) في حياته وعندما توفي النبي(صلى الله عليه وآله) اظهروا هذا الحقد فكان الظلم على مولانا امير المؤمنين وزوجته فاطمة الزهراء(عليهما السلام) فقد اعتدوا على بيته وضربوا الزهراء واسقطوا المحسن عليهما السلام وغصبت خلافته وهو صابر محتسب لله وعندما تولى الخلافة ظهرت الحروب والفتن عليه فكانت حرب الجمل وصفين والنهروان ولم يكتفوا بذلك حتى قتلوه في محرابه ساجدا لله تعالى عندما ضربه ابن ملجم لعنه الله على رأسه وهو يصلي في مسجد الكوفة.
والنعمان بن الحاراث من المنافقين الذين ابطنوا الكفر واظهروا الاسلام امام الناس ليحمي به نفسه ويحفظ ماله وجاهه وظل على هذه الحال مستترا الى ان جاء يوم الغدير المبارك إذ نصب علي(عليه السلام) مولى للمؤمنين والمؤمنات فوصل خبر التنصيب اليه فلم يتحمل ولم تطق نفسه ان يكون علي(عليه السلام) بهذه المنزلة والمكانة.

الأمر الثاني:
ان الرواية حددت ان الفاصل بين الايمان والكفر هو ولاية علي بن ابي طالب(عليه السلام) والايمان والتسليم ليوم الغدير وبيعة امير المؤمنين(عليه السلام).
فان الصلاة والصوم والحج لم تنفع النعمان ابن الحارث شيئا، فهو وإن كان يصلي ويصوم فانه كما في رواية (شمس الدين ابي المظفر سبط الجوزي الحنفي إذ قال: انك امرتنا ان نصلي خمس صلوات في اليوم والليلة ونصوم رمضان ونحج البيت ونزكي اموالنا، فقبلنا ذلك)(الغدير 1/434) ولكن هذا لم ينقذ النعمان من الهلاك لأنه مات كافرا بنص القران الكريم، فبحسب ما ورد في الآية الكريمة: (لِّلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِّنَ الله ذِي الْمَعَارِجِ) فهو كافر عند الله، وقد اهلكه لعناده لعلي(عليه السلام).

الأمر الثالث:
ان تنصيب علي(عليه السلام) أميراً للمؤمنين هو رحمة لكل مؤمن ومؤمنة ولكل مسلم ومسلمة لأن علياً(عليه السلام) هو افضل مخلوق بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) فهو الاعلم والاشجع والاورع والأقضى والاكرم وفي كل شيء في هذه الدنيا من كمالات وصفات.
فعلي(عليه السلام) هو الوحيد الذي يكون متملكا لها متفوقا على الكل، وهو المعصوم من الله سبحانه وتعالى الذي لا يعتريه خطأ ونسيان وغلط واشتباه وقد جعله الله سبحانه وتعالى الصراط المستقيم الذي به يعرف الحق من الباطل والذي يريد ان يصل الى النجاة والفوز بالسعادتين الدنيا والاخرة عليه ان يتبع عليا(عليه السلام)والذي لا يتبعه فانه ينحرف عن طريق الحق ويهوي الى جهنم ويقع في الشبهة والشك والضلال لأن النبي(صلى الله عليه وآله) قال: (علي مع الحق والحق مع علي يدور حيثما دار)(شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد: 2/297).

الأمر الرابع:
ان حب الامام علي(عليه السلام) هو فوز وسعادة في الدنيا والاخرة، ومن يمت على حب علي(عليه السلام) يخلد في الجنة ويحصل على نعيم الابد وان كان قد وقع في بعض الذنوب كما قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (حب عليّ حسنة لا يضر معها سيئة وبغضه سيئة لا تنفع معها حسنة)(الروضة في فضائل امير المؤمنين: 28)
لأن الذي يموت على حب علي(عليه السلام) يموت وفي قلبه ايمان والذي يموت على الايمان لا يخلد في النار ابدا وانما مصيره الى الجنة ولكنه قد يعاقب في النار لمدة معينة اذا كان من اهل المعاصي والذنوب وهذا تطهير له من الآثام التي ارتكبها في الدنيا فيدخل الجنة بعد التطهير.

الأمر الخامس:
حاول جماعة من المعاندين وبخاصة ابن تيمية في كتابه منهاج السنة انكار ودفع هذه الكرامة عن علي(عليه السلام) وانكار ما جرى على النعمان بن الحارث.
ولكن ابن تيمية من النواصب والمعادين لعلي(عليه السلام) ولذلك يدفع هذه الكرامة عنه فلذلك هو مخذول لا يعرف الحق من الباطل.
وقدر روي ان رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال: (علي امام البررة وقاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله)(كنز العمال: 9-329).
فعلي(عليه السلام) النور الالهي الذي يهتدى به على مر السنوات والأيام الى يوم القيامة وما محاولة ابن تيمية الا انكار الشمس في رائعة النهار.

نشرت في الولاية العدد 85

مقالات ذات صله