مفاهيم قرآنية: مَفْهُومُ التَّرْبِيَةِ وَالتَّعْلِيمِ

طفل-صائم

الشيخ كاظم الصالحي

التربية من (رَبَبَ) وتعني الإيجاد التدريجي للشيء حتى يصل إلى كماله، أو هو عملية التمهيد لتفعيل القابليات الكامنة في الإنسان بنحو يساعده على طي طريقه نحو الكمال، والتعليم هو بيان وتوضيح الأشياء للجاهل بها فيصبح بذلك عالما. والقرآن الكريم لم يذكر التعليم مقروناً مع التربية بل مع التزكية.

لا يخفى ان هناك ترابطا بين التزكية والتربية، وهناك فرق بينهما استنادا الى رأيين: الرأي الأول: يقول التزكية تعني انماء الشيء بداعٍ وصبغة إليه باتجاه الخير والبركة والسعادة بينما التربية تعني الانماء الظاهري فقط.
والرأي الثاني: يقول التزكية مأخوذة من الزكاة وتعني النمو الصالح أي الرشد والنمو الذي يلازمه الخير والبركة، فالتزكية تربية خاصة بها يعتاد الإنسان على الأخلاق الحسنة والأعمال الصالحة وبها يصل الى كماله.
ومن آثار التربية الإصلاح وهكذا التزكية ويمكن القول ان التزكية التي تكون مقدمة للتربية ذكرت في ثلاث ايات قبل التعليم مما يعني ان الإنسان لا يقطف ثمار عمله ولا يستفيد المجتمع من علمه الاستفادة المطلوبة ما لم يكن مزكيا نفسه وان لا يجعل العلم وسيلة لتحقيق أهداف خبيثة وغايات شريرة كما نلاحظ اليوم إذ ان الكثير من العلوم اصبح وسيلة للفساد والظلم والدمار وسفك الدماء واسترقاق العباد.

صفات المعلم والمتعلم:
هناك ملازمة بين التعليم والتزكية فبدون العلم لا تتحقق التزكية بنحو كامل وعليه لابد أن نتعرف على الصفات المطلوبة في المعلم من جهة والمتعلم من جهة ثانية.
أما صفات المعلم فقد اشار القرآن الكريم اليها في الآيات 65 ـ 70 من سورة الكهف وتؤيدها آيات اخرى في سور أخرى منها: أن يكون المعلم عالما بما يعلّمه ويدرك مستوى المتعلم فلا يبذل علمه لأي فرد وفي آيات أخرى ان يعمل بما يعلمه وأن يكون قدوة للمتعلم ويخلص في أداء واجبه ويخشى الله في ذلك ويبذل الاهتمام الكبير بواجبه كمعلم ومربٍ ويتجنب الاكراه والتشدد ويرأف بالمتعلم ولا ينسى نفسه بل يسعى لإكمالها بالتحلي بالمزيد من الفضائل الخلقية والقيم الإنسانية ويسعى لتطوير مستوى تلاميذه نحو الأفضل وعلى المتعلم ان يكون راغبا في كسب العلم وبمستوى المرحلة التي هو فيها ويسعى لكسب الرشد والكمال وليس لكسب الدنيا وزخارفها وعليه اطاعة معلمه وتوقيره، ويصبر في طريق التعلم على المكاره وعليه انتخاب المعلم الجيد وان يبذل المزيد من الدقة والتدبر في تحصيل العلم والمعرفة.

أساليب التعليم:
أساليب التعليم هي إما مباشرة او غير مباشرة، أما الأساليب المباشرة في التعليم فتشمل:
أ. الخطابة والمهم فيها الكلام الواضح دون ابهام والانسيابية الجذابة كحالة الترتيل في تلاوة القرآن الكريم (ورتل القرآن ترتيلا) وقد خاطب الله تعالى نبينا الأكرم: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)-النحل/125- والموعظة في البيان الذي تلين به النفس ويرق له القلب.
ب. الحوار والتباحث ويمكن أن يكون على صورة سؤال وجواب كقوله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي)-الإسراء/85- وعلى صورة التشاور قال تعالى (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) -الشورى/38- وعلى صورة الجدال الأحسن وهو الجدال الذي لا يجر الطرف الآخر الى العناد والتعنت ومن اللازم عدم ممارسة الكذب لاقناعه ولا بد من رعاية العفة في الكلام واجتناب التعبير السيء المثير كاسلوب النبي ابراهيم عليه السلام الرائع في حواره مع النمرود ومع قومه المشركين.
وأما الأساليب غير المباشرة في التعليم فهي كثيرة، نذكر منها:
1. اسلوب المشاهدة والملاحظة البصرية ويضم هذا الاسلوب اسلوب التصوير كما يستعرض القرآن الكثير من مشاهد الكون والطبيعة من جبال وانهار ونباتات وحيوانات وظواهر فلكية وطبيعية تحدث باستمرار كاختلاف الليل والنهار وحركة الشمس والقمر والنجوم والأمطار ويدعو الجميع الى التدبر الحسي أي استخدام الحواس الخمس خاصة حاستي السمع والبصر قال تعالى: (أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ -الغاشية/19- وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ)-الغاشية/17 ـ20-.
2. اسلوب الدعوة لتطبيق ما يتعلمه كما حصل لقابيل بعد قتله أخاه هابيل إذ تحيّر ما يصنع بجُثة أخيه فبعث اليه غرابا يعلمه كيف يواري الميت.
3. اسلوب اتّباع القدوة، إذ دعا القرآن الى الاقتداء بنبينا صلى الله عليه واله في جميع شؤون الحياة ووصفه بانه الأسوة الحسنة وهكذا دعا الى الاقتداء بالنبي ابراهيم عليه السلام وضرب السيدتين مريم وآسيا بنت مزاحم قدوتين يحتذى بهما، مقابل امرأتي نوح ولوط كنموذجين مرفوضين.
4. اسلوب اكتشاف المجهول: فإن الإنسان يحب الاطلاع على الحقائق والأسباب وتبديل المجهول الى المعلوم في كل الموجودات التي تنالها حواسه الخمس ويعرف السنين الطويلة من عمره في هذا الطريق ويشعر باللذة حينما يتعرف بنفسه على حقائق الطبيعة وظواهرها الجميلة الجذابة اكثر مما تقدم له المعلومات بدون بحث ومتابعة ميدانية.

طرق الاكتشاف:
ومن طرق الاكتشاف يمكن ان نذكر:
1. المقارنة بين المفاهيم إذ يستخرج الإنسان مفهوما جديدا بعد المقارنة بينها ومعرفة الترابط بينها، وللمثال حينما يتوضح معنى الغي ومعنى الرشد يدرك الإنسان معنى قوله تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)-البقرة/256-.
2. تصريف الأمثال قال تعالى: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ)-الكهف/54- أي ان في القرآن كل مثل يوضح للناس طريق الحق ويمهد لهم سبيل الإيمان والشكر وتصريف الأمثال هو تكرارها وتحويلها من بيان الى بيان وكلام آخر ومن اسلوب الى اسلوب اخر.
3. القصة، فالقرآن الكريم ذكر حياة الأنبياء ومواقفهم وموقف أقوامهم باسلوب قصصي بليغ رائع جذاب ومن خلالها قدم المعلومات والمعارف العقائدية والأخلاقية والاجتماعية ودعا الى الاعتبار بها واخذ الدروس منها، قال تعالى بعد بيان قصة النبي يوسف عليه السلام (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)-يوسف/111-.

نشرت في الولاية العدد 86

مقالات ذات صله