ســعيدُ بنُ جــُبير في كُتبِ التفسِيرِ

22426457

أ.م.د عصام كاظم الغالبيّ

يُعَدُّ أبو عبد الله سعيدُ بن جبير الأسديّ الكوفيّ أحدَ الأئمّة الأعلام بل هو من أفاضل علماء التابعين في القرن الأول الهجريّ ، وهو حلقة الوصل بين الصحابة والعلماء من بعده، وقد عُرف قارئا ومفسرا وفقيها ومحدّثا فضلا عن كونه تقيّا ورعًا.
وهو من الشخصيات المقبولة لدى الفريقين، وقد روى وحدّث عنه كثيرٌ من المحدّثين وقرأ عليه القرآنَ كثيرٌ من القرّاء ، ولا يكاد يخلو كتابٌ من كتب الحديث أو الفقه أو التفسير أو القراءات من ذكره والرواية عنه .

غزارة علمه
ذكر صاحب كتاب الوافي بالوفيات في ترجمته أنه قال : قرأت القرآن فِي ركعة فِي البيت الحرام، وقال إسماعيل بن عبد الملك: كَانَ سعيد بن جبير يؤمّنا فِي شهر رمضان فيقرأ ليلةً بقراءة ابن مسعود وليلةً بقراءة غيره، هكذا أبداً … وإذا كَانَ كلٌّ من التابعين قد تميّز بعلم من العلوم الشرعية أو بباب من أبواب الفقه فإن أجمَعَهم لذلك كلّه سعيدُ بنُ جبير.
ومن يطالع في أمّهات التفاسير يجد ألقا مبرّزا لهذه الشخصية المعطاء ، ويكاد يجزم أنها جميعها قد نهلت من معينه الذي لا ينضب ، وقد ذكر بعض الباحثين أن أول « كتاب ظهر في التفسير كان لسعيد بن جبير المتوفى (سنة 64)، وكان أعلم التابعين في التفسير، نصّ على ذلك قتادة، وحكاه السيوطي في (الإتقان) « مجمع البيان (المقدمة) : 1/24، لذلك لا تكاد تجد مفسِّرا قديما ولا حديثا من الخاصة أو العامة لم يستشهد بأقوال سعيد بن جبير بل تجد أنه مصدر مهم من مصادرهم يستقون منه ما يسعفهم في تفسير الكلمات والآيات القرآنية ، ولا أجانب الحقيقة إذا قلت إن اسم سعيد بن جبير قد ورد في كتب تفسير القرآن أكثر من عشرة آلاف مرة ، ذاكرين عنه ما يتعلق بالآيات القرآنية وتفسيرها وقراءاتها وعددا من الأحكام المتعلقة بها.

أمثلة من تفسيره
ومن أمثلة ذكر سعيد بن جبير في أهم تلك التفاسير ما ورد في تفسير التبيان للطوسي في تفسير قوله تعالى : ((قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين)) -البقرة : 69- إذ نقل عن سعيد
ابن جبير قوله : (( إنها بقرة صفراء القرن والظلف)) التبيان : 1/ 294.
وكذلك ما ورد في تفسير الطبري في قوله تعالى: (( الحمد لله ربّ العالمين )) -الحمد : 1- إذ أورد الطبري أن معنى العالمين عند سعيد بن جبير هو الجن والإنس ينظر : تفسير الطبري : 1 / 144.
ومنه ما ورد في مجمع البيان للطبرسي في تفسير قوله تعالى : ((فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم )) -البقرة : 17- إذ ذكر عن سعيد ابن جبير أن [الآية نزلت في اليهود وانتظارهم خروج النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وإيمانهم به واستفتاحهم به على مشركي العرب فلما خرج كفروا به وذلك أن قريظة وبني النضير وبني قينقاع قدموا من الشام إلى يثرب حين انقطعت النبوة من بني إسرائيل وأفضت إلى العرب فدخلوا المدينة يشهدون لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم)] مجمع البيان : 1 / 108.
وكذلك ما رود في تفسير المحرر الوجيز في قوله تعالى : ((لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ الله وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ )) -البقرة : (272)- ، إذ أورد عن سعيد بن جبير أن سبب نزول الآية هو أن « المسلمين كانوا يتصدقون على فقراء أهل الذمة فلما كثر فقراء المسلمين قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « لا تتصدقوا إلا على أهل دينكم » ، فنزلت هذه الآية مبيحة للصدقة على من ليس من دين الإسلام» مجمع البيان : 1 / 108
وكذلك ما ورد في تفسير الرازي قوله تعالى: ((لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ باللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ )) -البقرة: 256- إذ إن المفسرين في معنى الطاغوت على خمسة آراء ، منها أنه بمعنى الكاهن على رأي سعيد بن جبير. ينظر : تفسير الرازي : 3 / 455.
ومنه ما ورد في تفسير القرطبي في قوله تعالى : (( وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين )) -البقرة : 6- ، إذ ذكر عن سعيد بن جبير: إنما سمي « آدم لأنه خلق من أديم الأرض وإنما سمي إنسانا لأنه نسي» ينظر : تفسير الرازي:3 / 455.
وكذلك ما أورده ابن كثير في تفسير قوله تعالى : (( لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ)) -الانشقاق : (19)- ، إذ نقل عن ابن جبير قوله : « قوم كانوا في الدنيا خسيساً أمرهم، فارتفعوا في الآخرة، وآخرون كانوا أشرافا في الدنيا، فاتضعوا في الآخرة ]. ينظر : تفسير الرازي : 3/455
ومنه ما ورد في تفسير البحر المحيط في تفسير قوله تعالى : (( وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)) -آل عمران : (185)- ، إذ ذكر عن ابن جبير قوله : « إنما هذا لمن آثرها على الآخرة ، فأمّا من طلب الآخرة بها فإنها متاع بلاغ » ينظر : تفسير الرازي : 3 / 455
وكذلك ما ورد في تفسير روح المعاني للآلوسي في تفسير قوله تعالى:(( لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ الله بِهِ عَلِيمٌ)) -البقرة:(273)-، فنقل عن ابن جبير قوله : «هم قوم أصابتهم الجراحات في سبيل الله تعالى فصاروا زمنى فجعل لهم في أموال المسلمين حقاً]. ينظر : تفسير الرازي : 3 / 455.
ومن المحدثين ما ورد في تفسير صاحب الميزان قوله تعالى: ((الذين عاهدت منهم – ثم ينقضون عهدهم في كل مرة)) -الأنفال : 56- ، إذ قال : روي عن سعيد بن جبير أن « الآية نزلت في ستة رهط من اليهود منهم ابن تابوت».
وكذلك ما ورد في تفسير الأمثل في تفسير قوله تعالى: ((لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ ءَامَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَيَسْتَكْبِرُونَ(82) وَإِذَا سَمِعُوا مَآ أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَآ ءَامَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّهِدِينَ(83) وَمَالَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللهِ وَمَا جَآءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّلِحِينَ(84))) -المائدة- ، إذ ذكر عددا من الآراء في سبب نزول هذه الآيات منها ما روي عن سعيد بن جبير في سبب نزول الآية « أنّ النجاشي أرسل ثلاثين شخصاً من أخلص أتباعه إِلى المدينة لإِظهار حبّه لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وللإِسلام، أُولئك هم الذين استمعوا إِلى آيات سورة «يس» فأسلموا، فنزلت الآيات المذكورة تقديراً لأُولئك المؤمنين.

نشرت في الولاية العدد 86

مقالات ذات صله