كيان داعش الإرهابي بين الأصول والتطور

Screenshot_1

فاروق محسن أبو عبرة

الحصيلة النهائية التي شكلت كيان داعش الارهابي وحركة الخوارج من قبل وكل الحركات المماثلة جاءت نتيجة الانتساب غير الطبيعي للإسلام.
وبدأ التاسيس لتلك الحركة من ذلك الحين ، إذ كانوا يقلدون حكام الجور في كل شيء ويلتفون حولهم بتبعية معمقة، فيقتدون بهم بكل صغيرة وكبيرة في منهجية أعدّها اولئك الحكام على ضوء إرادات خاصة واجتهادات ما أنزل الله تعالى بها من سلطان.

عقائد ضالة متأخرة
فتكونت من ذلك عقائد لم تظهر الا مؤخرا وبالتحديد في القرن الثالث الهجري وبها اعطوا حكام الجور عظيم التقديس والحجية والشرعية كالمعطاة لرسول الله صلى الله عليه وآله بذات الكيفية برغم الفارق العظيم بين المرتبتين.
ولأجله ترسخت عقيدة غريبة مفادها ان لا فرق بين السياستين، سياسة النبي وسياسة الخليفة الجائر وهو ما شكل امام الاسلام عقبة نشأت وتعاظمت في نفوس الأمة وكبرت واتسعت بمرور الزمن حتى صارت هذه المتغيرات من الثوابت في الفقه الاسلامي.
وبسبب تلك العقيدة مثلا كان عمر بن سعد في معركة الطف بكربلاء يهتف بجيش يزيد عند محاربته للإمام الحسين(عليه السلام) فيقول: (ياأهل الكوفة الزموا طاعتكم وجماعتكم،ولاترتابوا في قتل من مرق من الدين، وخالف الإمام)(يعني يزيد).
ومنه ما قاله الحجاج ايضا من على منبر الكوفة عندما ذكر عنده الذين يزورون قبر الرسول صلى الله عليه وآله فقال: (تبا لهم انما يطوفون بأعواد ورمة بإلية هلا طافوا بقصر امير المؤمنين عبد الملك ألا يعلمون ان خليفة المرء خير من رسوله) (سنن ابن داود 4/209).
فهذه المكانة اذن التي اعدوها سلفا والتي رفعوا بها منزلة خلفاء الجور لكي يطاعوا كما يطاع الله ورسوله، جعلت الناس تأخذ منهم احكام الشريعة وسار عليها كل الذين اتوا فيما بعد من الخلفاء لهم.
وبمثل هذه الطاعة يسوقون الناس والاجيال بهذا النمط.

بدعة وافتراء على الإسلام
فالتثقيف اخذ مأخذه واستمر على هذا النحو عبر العصور مسببا اسلوبا تعسفيا هجينا غريبا في معطياته عن الحركة العلمية الاسلامية، من دون تنظير عقلي او نصي او حجة ظاهرة.
في حين أن المسلمين ما كان اعتيادهم في الاحتجاج على غيرهم الا بالطرق العقلية الى جانب النصوص.
فمن هنا استغلت الحكومات الجائرة المتعاقبة من عمق التاريخ المفاهيم الاسلامية واسم الاسلام لهذا الغرض وروجت لأهدافها الخاصة وبالأخص السياسية، فابتدعت وابتعدت اكثر.
وما كانت الوهابية او النصرة او داعش الا حركات منشقة عن الامة في معتقداتها منحازة الى افكار لا تراعى فيها مصلحة الانسان وعاجزة تماما عن التمثيل الاسلامي.
فاعتماد هؤلاء إنما هو على النظريات القاسية في القتل والتدمير والتكفير، فيندفع أحدهم ليفجر نفسه في حشود تضم النساء والاطفال، فأي ملة تجيز الفتك بالناس وليس الإسلام سوى رحمة بهم، واي شهادة لهذا البائس المدفوع بلا هدى؟

الإسلام دين الحب والرحمة
وحتى في العصور التي تلت الجاهلية مباشرة لم ترَ فيهم مثل هذه الطرق اللعينة والهمجية.
فعندما سادت الشريعة اصبح اولئك المتعصبون ليّنين متسامحين بدل شدتهم، ويأنفون من الجريمة واختفى عنهم العنف تماما رعاية لإجازة الحب والعطف والتسامح، والتوصيات كانت تأتي تباعا: حبَّ لأخيك ما تحب لنفسك واكره له ما تكره لها.. انما المسلمون اخوة.
وفي جانب آخر نجد ان الدين امر بالمعاملة بالمثل فقال تعالى: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْه ِبِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ)-البقرة/194-.
على اية حال ان ما نريد قوله هو ان من بذر بذرة الانحراف وسقاها انما يتحمل وزر كل قتيل ويتحمل اعباء ما يستجدّ في هذا الطريق من ويلات الى يوم القيامة.
اضف الى ذلك انهم أدخلوا في الاسلام ما ليس منه من العنف بدل الحب والقتل بدل الرحمة والجهل بدل العقل والاستبداد بدل الاختيار وعبّدوا الناس فاعادوا الجاهلية والعصبية القبلية من اغارة وسلب ونهب وتهجير بقساوة وعنف كما كانت البشرية قبل الدعوة الاسلامية، فالحقوا ضررا كبيرا بالاسلام وصوروا للعالم انه دين عنف وان المسلمين عناصر ارهاب.
وهذا النهج عند هؤلاء المتخلفين لا خلاص منه اثر فساد العقول والعقيدة، ومهما ظهرت الحجة ولاح لهم الحق لا يمكنهم مطلقا اتباعه والانسلاخ مما هم فيه: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا *الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاة ِالدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا)-الكهف/103-104-.
فالمسلم في اسلامه كما هو معلوم لا يمكنه فعل ذلك الجور والظلم بسبب دواعيه التركيبية التكوينية، وان النفس لا تقوّم ما لم يخضعها للتقريع ويُعرّضها للمحاسبة باستمرار ليلا ونهارا ويَعْرِضها على دستور ربه ورسوله بشكل دوري من دون انفكاك.

مقالات ذات صله