الشيخ عبد الكريم الزنجاني

اعلام-الدفناء1

اعداد: حمود الصراف

عالم عامل مجتهد امامي فذ زاهد متعفف فيلسوف بليغ ناطق مظلوم .. رائد في مدرسة التقريب بين المذاهب الإسلامية. مفخرة العلم والعلماء كان متبحرا في العلوم العقلية والنقلية خاصة الفلسفة وأصبح أستاذا لها في حوزة النجف العلمية حتى اقترن اسمه بها وعرف بالفيلسوف ابهر العلماء بمحاضراته القيمة في دمشق وبيروت والقدس والقاهرة

ولادته:
ولد الشيخ عبد الكريم الزنجاني في النجف الاشرف في أسرة نجفية عريقة، ولقبه (الزنجاني) يعود كما يذكر إلى أن جده (محمد حسن) قد قام برحلة إلى زنجان (في شمال ايران) ولما عاد إلى النجف سُمي (بالزنجاني) فلحق بالأسرة ذلك اللقب.
ويذكر الزركلي في كتابه الاعلام أنه: (مجتهد امامي من علماء النجف مولده ووفاته بها كان جده قد هاجر إلى زنجان في شمالي إيران سنة 1217هـ فنسب صاحب الترجمة إليها..)، وبعض المصادر تذكر انه ولد في باروت ـ زنجان ونشأ بها .

النشاة العلمية:
كان الشيخ عبد الكريم منذ صباه نابهاً في حلقات العلم، وبفضل براعته وذكائه أصبح طالباً يشار إليه بالبنان. ومنذ شبابه المبكر تعلق بأفكار السيد جمال الدين الأفغاني واخذ نهجه الاصلاحي، تتلمذ على كبار الحوزة العلمية كالشيخ الاخوند الخراساني، والسيد كاظم اليزدي وشيخ الشريعة والسيد محمد الفيروزابادي وآخرين.
وخلال حضوره دروس الفقه وعلم الأصول عند هؤلاء الكبار من الحوزة لفت إليه الانتباه لتميزه في تحديد الآراء، الأمر الذي أسهم في بلورة شخصيته العلمية واستطاع أن يشق طريقه إلى الاجتهاد الذي ناله بجدارة في ريعان شبابه وذلك في سنة 1914 وعمره كان 27 سنة.
برع الشيخ في الفلسفة وتعمق في دراستها، عرف بروحه الاصلاحية وسعيه في سبيل توحيد الكلمة بين المسلمين.
وعندما صدر كتابه عن الفيلسوف الكندي احدث دويا كبيرا واكسبه شهرة‌ عالمية برغم أن الكتاب كان بنسخ محدودة وانتشرت بعد جهد جهيد في العواصم الاسلامية منها القاهرة ولبنان ودمشق فكثرت عليه المراسلات ولكن المؤلف كان يعاني من ضائقة مالية صعبة و يعيش عيشة متواضعة في بيت صغير جدا في منطقة (الحويش) قرب جامع الهندي في مدينة النجف الأشرف.

من نشاطاته:
قام بجولات إلى البلدان العربية والإسلامية وطوف بها يخطب ويكتب ناشراً الدعوة إلى أفكاره الاصلاحية وفي طليعتها الدعوة إلى توحيد الأمة وتعايش مذاهبها الإسلامية.
توجه الشيخ الزنجاني الى المسجد الاقصى والقى خطبته التي الهبت المشاعر, وخاصة أنها تزامنت مع الشروع بتنفيذ وعد بلفور وتأسيس الدولة العبرية, وهذا ما حدا بحكومة الأردن أن تحتفي بالشيخ الزنجاني.
زار القاهرة في تشرين الثاني 1936م ، وقد فاقت زيارته هذه في تاثيرها زيارته لدمشق وعمان إذ احدثت دوياً فدعا الازهر الى الاحتفاء بالشيخ عبد الكريم بحضور رجال الفكر وعلماء مصر والسياسيين والعسكريين أيام الملك فاروق، والقى خطبته الشهيرة في ذلك المهرجان الازهري انذاك متحدثاً مرتجلاً باسترسال مدهش.. و عندما انتهى من محاضرته قام الدكتور طه حسين وقبل يده قائلا (أول يد وآخر يد اقبلها بعد يدي والدي سمعت محاضرة الإمام الزنجاني نسيت نفسي ورأيتني في حياة غير الحياة التي أعهدها وظننت أن ابن سينا حي يخطب ).
وينقل عن احد علماء النجف أنه قال: ان اينشتاين عندما وضع نظريته النسبية كان المجموع الذي يستطيع شرح النظرية في العالم تسعة علماء فقط إلا أن الإمام الزنجاني ردّ على أسس النظرية وعلق عليها ثم أرسله إليه بوساطة العالم الباكستاني محمد إقبال ونال استحسانه وثناءه.
وحدث احدهم قائلاً: كنت في الحرم الشريف فجاءني أساتذة من جامعة بغداد وطلبوا مني ان أرافقهم إلى بيت الزنجاني وعندما جلس هؤلاء معه في بيته المتواضع وفراشه وأثاثه البسيط ـ وكان مستنداً إلى الزاوية ـ وبمجرد الحديث أخرج هؤلاء قراطيسهم وأقلامهم وهم يسألونه الأسئلة الفلسفية وهو ينساب بأحاديثه وهم يكتبون فمرت عليهم أربع ساعات من دون أن يشعروا وكأنها دقائق بين يدي هذا البحر الزاخر من العلم والفقه والفلسفة ثم خرجوا في الأزقة وهم في دهشة وانبهار وكل منهم يقول لصاحبه: الله اكبر كم تضم هذه الأزقة وهذه البيوت الخاوية بين جدرانها من علماء وعباقرة لا يعرف المسلمون قيمتهم.
الإمام الزنجاني من الأوائل الذين تحركوا لنصرة القضية الفلسطينية وسافر في بداية تأسيس دولة الصهاينة‌ إلى القدس لإحداث وعي سياسي عند المسلمين ضد مشروع وعد بلفور والقى خطباً بليغة في المسجد الأقصى بفلسطين وكان لها صداها في تلك الفترة كما ألقى محاضراته في الجامع الأموي والجامعة السورية بدمشق ودار الأيتام الاسلامية ببيروت ثم سافر الى القاهرة‌ و زار الجامع الأزهر وجامعة القاهرة والتقى بعلمائها وأساتذتها، وفي كلية الآداب طلبوا منه إلقاء محاضرة بموعد محدد وقبل يوم من الموعد سأله الدكتور طه حسين وكان يشغل منصب وزير التربية آنذاك عن عنوان محاضرته فأجاب انه سيلقي محاضرة بعنوان (بين الماديين والإلهيين) غير ان الدكتور رجا منه أن تكون محاضرته بعنوان (دراسة الفلسفة في إيران والنجف) وحدد له موعدا آخر غير انه أرادها بنفس الموعد وكانت المفاجأة الكبرى عندما ارتجل محاضرة لمدة ساعتين وقد شغلت هذه المحاضرة أكثر من أربعين صفحة وكان الاجتماع يزخر بعلماء مصر وكتابها منهم الدكاترة طه حسين واحمد أمين واحمد زكي وعبد الرزاق السنهوري وعبد الوهاب عزام ومصطفى الغلاييني ومحمد فريد وجدي وغيرهم فكانت الأبصار كلها شاخصة إليه وهو يستشهد بالآيات القرآنية واشبع خطبته بآراء فلسفية ضخمة.
وقد كتب عن الإمام الزنجاني الكثير من العلماء المعروفين إذ كتب محمد جواد مغنية عن رحلته إلى مصر والشام مقالات عديدة في جريدة العرفان أللبنانية ومحمد مصطفى المراغي شيخ الأزهر وخير الدين الزر كلي في الجزء الرابع من كتابه الأعلام والأستاذ رشيد مصطفى ، تناولت الصحف المصرية والسورية المعروفة تغطية إعلامية واسعة عنه كالأهرام والجهاد والمصري

اثاره القيمة:
جامع الوسائل في الفقه، وذخيرة الصالحين في الفقه، والفقه الارقى في شرح العروة الوثقى، والاول، ومناسك الحج، ومسائل شرعية، ودروس الفلسفة (1ـ2)، والاعداد الروحي للجهاد الاسلامي في فلسطين، والمثل العليا او المحاضرات، ووحي الالهام (أُردو)، ووسيلة النجاة في الفقه (رسالته العملية)، وبرهان إمامت (أُردو)، وطريق النجاة، والكندي خالد بلفسفته، ويكانكي إسلام، والوحدة الاسلامية وتطور الفلسفة، وحقائق الأصول، والأديان والإسلام، ورد المذاهب المبتدعة، والسياسات الإسلامية، وتعليقة على كفاية الأصول… وغيرها

وفاته:
توفي رحمه الله تعالى في مدينة النجف الاشرف ليلة الأربعاء في 17جماى الآخرة سنة 1388هـ، المصادف 10 ايلول سنة 1968م، بمرض سوء التغذية كما نص عليه تقرير اللجنة الطبية التي اوفدت من قبل وزارة الصحة لفحصه، ودفن بالصحن الشريف في الحجرة ذات الرقم (53/ا).

مقالات ذات صله