صديق الليل

190613_Large_20140110041341_7

عبد الزهرة خالد جاسم

ما الذي انتابني عندما تهيأ العنوان قبل المقال؟ جعلني أترك فراشي ليلاً وأشرع بالكتابة عنه، طالما كان يلازمني في السراء والضراء، وأعرف انه عند التركيز فيه سيحتسي شعاع العيون ويترك بصرك خاليا إلا من خلجات تدور كمكونات الذرة بين الفؤاد والحقيقة. عرفت فيه ولادة الأحلام طال التأويل أو قصر، وربما تحتاج أحيانا زيارة يوسف في سجنه ليشرح لك المعاني، أما المستقبل فسيبقى تحقيقه على مسؤوليتك..
وتعرج فيه الى عالم حقيقي مغطى بشراشف الخيال وبمواد أولية بسيطة جدا ولا تحتاج من يعينك على حملها. وسأتطرق الى ذكر بعضها.. أولا جرد نفسك من مظاهر المدنية واترك قريتك واقطن الصحراء لليلة حتما ستصاحبك النجوم وتسعدك بتلألئها وتشعر ان بعضها يسامرك بالنزول تارة وتارة ترجع الى محلها بدون أن تلحق بها لتمسكها وتغازلك كي تتحدث طويلا بدون كلمة تخرج من فمك..
ولكن ساعة وجود القمر قد يمسح لك بعضها وأنت في غاية الحاجة لها.. وأما بالنسبة لي فقد تعلمت منذ الطفولة دروب النجوم الساهرات كانت هي التي توقظ أمي وأبي لكني أختبئ تحت الوسادة عندما أرى شيئاً من البريق المتوهج الساقط أو الصاعد فكان التفسير انها راجمة الشياطين وأسكت وألعنهم لأنهم كيف وصلوا الى الفضاء وبماذا يعبثون؟
فالروح وقطعة من التربة وسجادة ونظرة سماوية تجد فمك يتلو الآيات تلو الآيات وتمتد الأكف الى أعلى من كتفك وتدعو الرب «أني مغلوب فانتصر» وستفتح لك أبواب السماء بماء منهمر وستسير على ينابيع الأرض .إذن الحقيقة لا تحتاج الى تأويل يوسف ولا تحتاج الى رأس مال كثير، وبكل تأكيد زراعة الليل تحتاج الى ناس قليلا ما يهجعون فهم الفائزون والمقام المحمود لا يدركه إلا هو الرحمن الرحيم..

نشرت في الولاية العدد 88

مقالات ذات صله