حيدر محمد الكعبي
من منا لم يشاهد فيلم (الرسالة)؟ الفيلم الشهير الذي يحكي سيرة الرسول محمد(صلى الله عليه وآله) في عهد صدر الاسلام.
الا ان الكثير منا لم يعرف ملابسات انتاج هذا الفيلم والاحداث التي ترتبت على عرضه.
انتج المخرج السوري مصطفى العقاد الذي درس فن الاخراج في هوليوود الفيلم في العام 1976 على نسختين: الاولى باللغة العربية والأخرى بالإنجليزية، واستعان بكوادر عربية واخرى اجنبية من الممثلين لانتاج النسختين في وقت واحد، علما بأن الفيلم ترجم إلى 12 لغة اخرى فيما بعد.
بلغت تكلفة إنتاج الفيلم للنسختين العربية والأجنبية حوالي 10 ملايين دولار، وكانت ارباح النسخة الأجنبية لوحدها تزيد على 10 أضعاف كلفة الانتاج.
شارك في كتابة سيناريو الفيلم ستة كتّاب أبرزهم الإيرلندي الشهير هاري كرايغ الذي أقام في فندق «نيل هيلتون» بالقاهرة لمدة سنة كاملة متعاونا في الكتابة مع عبد الحميد جودة السحار وتوفيق الحكيم وأحمد شلبي وكاتبين آخرين من طرف الأزهر.
صورت مشاهد الفيلم في احدى صحاري المغرب بتخويل من الملك المغربي آنذاك، الذي لاقى فيما بعد ضغوطا شديدة من المملكة السعودية التي كانت معارضة لانتاج الفيلم، فاضطر الى الاعتذار من اكمال الفيلم على اراضيه، فلجأ المخرج مصطفى العقاد الى ليبيا، وقد خوله رئيسها آنذاك اكمال الفيلم على الاراضي الليبية.
وبعد ان اعلنت صالات السينما الامريكية عن قرب عرض الفيلم، نزلت الى الشوارع حشود كبيرة من السود الامريكيين الذي يتبعون حركة (الايجة محمد) الاسلامية المناهضة للتمييز العنصري، في محاولة منهم لمنع عرضه، اذ كانوا يتوجسون خيفة من ان يكون القصد من انتاج هذا الفيلم تشويه صورة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم او الاسلام.
ولكن ذلك لم يمنع من عرض الفيلم في امريكا، وبعد ان شاهده الجمهور توقفت الاحتجاجات ولم يجدوا فيه ما كانوا يتوقعون، بل دخل حوالي 30 الف امريكي الى الاسلام بسبب هذا الفيلم.
اما في الدول العربية فقد منعت من عرضه لانه جسد الحمزة(عليه السلام) بشخصية ممثل، كما انه اثار عددا من المواضيع الحساسة التي دفعت الجانب السعودي الى معارضته بشدة.
وعلى الرغم من وجود العديد من المغالطات التاريخية التي يرويها الفيلم إلا انه يبقي يمثل وثيقة مهمة ترسم حقبة اساسية من حقب التاريخ الديني للشعوب الاسلامية، بحيث صارت الاحداث والشخصيات التي تظهر فيه تنافس المعلومات التاريخية الاصلية التي تروي احداث تلك المرحلة، الامر الذي يؤكد على اهمية الانتاج الاعلامي الدرامي في توجيه عقول الناس تجاه أي قضية مهمة.
نشرت في الولاية العدد 89
