خفف الوطء

كرامة

فائق الشمري

يروى عن أمير المؤمنين «عليه السلام» انه نظر إلى ظهر الكوفة، فقال: (ما أحسن ظهرك وأطيب قعرك، اللّهم اجعل قبري بها ).. وما إن دار الزمن دورته وشاء الله ان تتحقق تلك الامنية حتى أصبح قبره الطاهر محجة للمحبين يقصدونه زرافات ووحداناً لتقبيل تلك الأعتاب الطاهرة ..
ويتسع الأمر ليصبح للمرقد المقدس ــ الذي يحفه الملائكة المقربون ويتمنى جواره العلماء والصالحون ــ خدم ومجاورون وكلّ أصناف الناس، في مقدمتهم شيخ الطائفة مع جمع من تلامذته ومريديه، مؤسسا لمدرسة فاقت أخواتها في الحواضر الإسلامية بل جامعة كبرى تهوي اليها أفئدة الباحثين عن الحقيقة للنهل من فيوضات ذلك المرقد المقدس لباب مدينة العلم، وتكتمل بذلك مدينة صار لها شأن كبير ويشار اليها بالبنان.. عتبة طأطأت لها تيجان الملوك وهامات السلاطين.. وتمرغ بترابها الشرف الرفيع..
والنجف.. وادي السلام، الذي تحج اليه الأرواح آناء الليل وأطراف النهار يصفه أمير البلاغة والبيان فيقول: (ما من مؤمن يموت في بقعة من بقاع الأرض، إلا قيل لروحه: الحقي بوادي السّلام، وإنّها لبقعة من جنّة عدن) .. وقال عليه السلام محدثاً الأصبغ بن نباتة : (يا بن نباتة، لو كشف لكم لرأيتم أرواح المؤمنين في هذا الظّهر حلقاً يتزاورون ويتحدّثون ، إنّ في هذا الظّهر روح كلّ مؤمن).
لذا لا غرابة حين نجد الزائر لهذه البقة الطاهرة يذوب في ملكوت الضوء الإلهي الذي يُظلّ الضريح المقدس.. ويجد روحه تنهل من تلك الفيوضات، فتطمئن القلوب بعد اضطراب، وتسعد الارواح بعد شقاء، وترجو الانفس بعد قنوط، وتشرق الوجوه بعد تجهم..
وربما يحصل ذلك الإنعاش الروحي بمجرد أن يقبل الوافد على النجف الأشرف ويخطف بصره النور المقدس لتلك القبة البيضاء.. تستقبل الزائرين من بعيد، ملوّحة، وكأنها تخاطبهم: ها هنا باب الله الذي منه يؤتى، هاهنا وجه الله الذي إليه يتوجه الأولياء، هاهنا السبب المتّصل بين أهل الأرض والسماء..
فاخلع نعليك أيها الزائر انك في الوادي المقدس.. وخفف الوطء فمن هنا مرّ خير الأوصياء، وها هنا أناخت قوافل العلماء، وعند هذه الاعتاب طأطأ الملوك والامراء رؤوسهم ..

نشرت في الولاية العدد 89

مقالات ذات صله