من سنن الأنبياء عليهم السلام في سيرة الإمام علي عليه السلام

_07F2489

الشيخ نادر كمون

الانبياء هم أكرم ما خلق الله تعالى من البشر إذ اصطفاهم لرسالاته وبعثهم الى بريته لإقامة شرع الله في الأرض وهداية الأنام من الضلال، ولا ريب ان رسول الله صلى الله عليه وآله هو أفضل الأنبياء والمرسلين على الإطلاق، ويأتي بعده رجل عظيم حوى صفات الأنبياء وخصالهم بحيث ان كل نبي لديه خصلة من خصاله والذي يقول عن نفسه: (ينحدر عني السيل ولا يرقى إليَّ الطير)، وذلك الرجل العظيم هو علي بن ابي طالب عليه السلام.

الإمام علي عليه السلام والأنبياء:
ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال لأمير المؤمنين عليه السلام (لا يعرفك الا الله وأنا) وأنه احق بالخلافة من بعده دون غيره، كما فعل النبي سليمان عليه السلام لما طلب من الجالسين حوله احضار عرش بلقيس وكان قادراً على احضاره ولكنه اراد ان يبين لهم فضل وصيه وخليفته من بعده آصف بن برخيا، فالمسلمون برغم ما ظهر لهم من فضائل أمير المؤمنين عليه السلام ولكنهم على الرغم من ذلك كانوا جاهلين بكنه الإمام علي عليه السلام، فأراد رسول الله صلى الله عليه وآله ان يبين لهم ان عليا ليس كبقية البشر، بل هو انسان يضم بين جنبيه صفات الانبياء وخصالهم وفضائلهم، فقد روى البيهقي بإسناده الى النبي صلى الله عليه وآله انه قال: (من أراد ان ينظر الى آدم في علمه والى نوح في تقواه والى ابراهيم في حلمه والى موسى في هيبته والى عيسى في عبادته فلينظر الى علي بن أبي طالب) وفي روايات أخرى: (والى يحيى في زهده والى ايوب في بلائه وصبره)، وفيما يلي نذكر جهات الشبه بين الإمام علي عليه السلام وبعض الأنبياء عليهم السلام.

الإمام علي عليه السلام والنبي اسماعيل:
اشبه امير المؤمنين عليه السلام في مبيته على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله عندما اراد الهجرة من مكة الى المدينة، محنة النبي اسماعيل عليه السلام عندما اراد النبي ابراهيم عليه السلام ذبحه، بل ما تعرض له الإمام علي اشد مما تعرض له النبي اسماعيل.
يقول الشيخ المفيد رحمه الله: ان اسماعيل استسلم لهذه المحنة مع علمه باشفاق الوالد على ولده ورأفته به ورحمته له وان الذبح لا يكاد يقع من الوالد بولده بل لم يقع فيما مضى وكان يعلم ان والده قد امتحن في طاعة الله بذبح ولده دون العزم على ايقاع الذبح فزالت من نفس اسماعيل كثير من المخاوف وكان يرجو السلامة.
وأما امير المؤمنين عليه السلام لما بات في فراش النبي صلى الله عليه وآله كان يعلم ان قريشا اغلظ الناس على رسول الله واقساهم قلبا، وكانوا يريدون قتله شر قتلة فاستسلم امير المؤمنين لذلك، وشتان ما بين استسلام النبي اسماعيل إذ استسلم لوالده الشفيق الرحيم وبين استسلام امير المؤمنين لأناس جفاة قساة.
جاء في زيارة الغدير الواردة عن الإمام علي الهادي عليه السلام (واشبهت في البيات على الفراش الذبيح عليه السلام، اذ اجبت كما اجاب واطعت كما اطاع اسماعيل صابرا محتسباً).

الإمام علي والنبي هارون عليهما السلام:
وقد أشبه الإمام علي النبي هارون عليهما السلام عندما استخلفه النبي موسى عليه السلام على قومه، وكذلك استخلف النبي صلى الله عليه وآله الإمام علياً عليه السلام على المدينة عندما خرج الى غزوة تبوك فلحق به الإمام علي عليه السلام فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: (ارجع يا أخي فإن المدينة لا تصلح الا بي او بك، أما ترى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي).
والموقف الآخر الذي أشبه به امير المؤمنين عليه السلام النبي هارون هو تفرق الناس عنه، فعندما ذهب النبي موسى صلى الله عليه وآله وسلم لمناجاة ربه وتركه على قومه قاموا بعبادة العجل الذي صنعه لهم السامري.
وأمير المؤمنين عليه السلام في واقعة صفين لما رفع جيش معاوية المصاحف تفرق عنه جيشه وكان الإمام علي يقول لهم ان هذه خدعة فلم يسمعوا النصيحة والى هذه المشابهة اشار الإمام الهادي في زيارة الغدير (ثم محنتك يوم صفين وقد رفعت المصاحف حيلة ومكرا فأعرض الشك وعزف الحق واتبع الظن واشبهت محنة هارون، اذ امّره موسى على قومه فتفرقوا عنه).

الإمام علي والنبي عيسى عليهما السلام:
ان لأمير المؤمنين عليه السلام ميزة على النبي عيسى عليه السلام من حيث الولادة، لأن مريم لما ارادت ان تضع عيسى في بيت المقدس هتف بها هاتف وقال لها اخرجي من هذا المكان فإنه بيت عبادة لا بيت ولادة واما امير المؤمنين فقد وضعته امه فاطمة بنت اسد في بيت الله الحرام والذي سوف يجعله قبلة للمسلمين الى يوم الدين.. وافتخرت بذلك امه فاطمة بنت اسد إذ قالت بعدما خرجت من البيت الحرام وبيدها امير المؤمنين: معاشر الناس ان الله عز وجل اختارني من خلقه وفضلني على المختارات ممن مضى قبلي وقد اختار الله السيدة أسيا بنت مزاحم فإنها عبدت الله سرا في موضع لا يحب ان يعبد الله فيه الا اضطرارا ومريم بنت عمران حين اختارها الله ويسر عليها ولادة عيسى، فهزت الجذع اليابس من النخلة في فلاة من الأرض حتى تساقط عليها رطبا جنيا، وان الله تعالى اختارني وفضلني عليهما وعلى كل من مضى قبلي من نساء العالمين لأني ولدت في بيته العتيق وبقيت فيه ثلاثة ايام آكل من ثمار الجنة واوراقها.
ثم جاءت به فاطمة الى رسول الله صلى الله عليه وآله فلما رآه الإمام عليه السلام سلم عليه وقال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ثم قرأ قوله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) قال له رسول الله قد افلحوا بك وقد صعبت هذه الكرامة والفضيلة على بعض من نصب العداء لأمير المؤمنين عليه السلام وقالوا كيف يتكلم عليٌ عند ولادته؟ وكيف يتلو القرآن والنبي بعد لما يُبعث!
وهذا الكلام ليس جديدا بل قاله بعض المسلمين في زمن رسول الله صلى الله عليه واله ونقل بعض الصحابة هذا الكلام اليه فقال رسول الله صلى الله عليه واله في ردهم ـ على ما جاء في كتاب مدينة المعاجز للسيد هاشم البحراني ـ: ان ابراهيم كان حملا في بطن امه فخافت عليه من النمرود بن كنعان لأنه كان يشق بطون الحوامل ويقتل الأولاد فولدته بين تلال قرب نهر يتدفق، فلما وضعته واستقر على وجه الأرض قام من تحتها يمسح وجهه ورأسه ويكثر من الشهادة بالوحدانية، ثم اخذ ثوبا واتشح به وامه ترى ما يصنع، وقد ذعرت منه ذعرا شديدا، فهرول من يدها و بصره الى السماء، فعندما نظر الى الكواكب سبح الله وقدسه وقال سبحان الملك القدوس، فقال الله تعالى فيه: (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ).
ثم قال النبي صلى الله عليه واله: وقد علمتم ان موسى بن عمران كان قريبا من فرعون وكان فرعون يبقر بطون الحوامل من اجله، فلما ولدته امه فزعت عليه فأخذته من تحتها وطرحته في التابوت وكان يقول لها: يا اماه القيني في اليم، فقالت له وهي مذعورة من كلامه: اني اخاف عليك الغرق، فقال لها لا تخافي ولا تحزني ان الله رادني عليك.

عيسى بن مريم عليهما السلام مثلاً:
فيما سبق ذكرنا وجه مشابهة الإمام علي للنبي عيسى في ولادته وصغره وفي هذه الأسطر سنذكر مشابهة الإمام علي للنبي عيسى في كبره واختلاف الناس في حبه وبغضه فقد كان النبي محمد صلى الله عليه وآله جالسا ذات يوم اذ اقبل امير المؤمنين عليه السلام فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: ان فيك شبها من عيسى بن مريم ولولا ان تقول فيك طوائف من امتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيك قولا لا تمر بملأ من الناس الا اخذوا التراب من تحت قدميك يلتمسون بذلك البركة، فغضب أعرابيان كانا جالسين الى جنب النبي والمغيرة بن شعبة وعدد من قريش معهم فقالوا ما رضي ان يضرب لابن عمه مثلا الا عيسى بن مريم فانزل الله على نبيه الآية 57 من سورة الزخرف: (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ).
وروى الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل عن امير المؤمنين عليه السلام انه قال: جئت الى النبي صلى الله عليه واله يوما فوجدته في ملأ من قريش فنظر الي ثم قال: يا علي انما مثلك في هذه الأمة كمثل عيسى بن مريم أحبه قوم فأفرطوا فيه وابغضه قوم فافرطوا فيه قال: فضحك الملأ الذي عنده، ثم قالوا: انظروا كيف شبه ابن عمه بعيسى بن مريم قال: فنزل الوحي بهذه الآية.

نشرت في الولاية العدد 90

مقالات ذات صله