مؤتمر كربلاء وخوف بيرسي كوكس

issue9-rand-576x400

أ.م.د. مقدام عبد الحسن الفياض

بينا في العدد السابق تحرك علماء الدين في النجف الأشرف من اجل التهيئة للمؤتمر والاعداد له، عندما بعث قطبا المرجعية الدينية العليا: السيد ابو الحسن الاصفهاني والشيخ محمد حسين النائيني، برسالة الى احد كبار العلماء المجتهدين في الكاظمية هو الشيخ مهدي الخالصي، يدعوانه فيها الى عدم الثقة بما وعدت به بريطانيا بل يجب أخذ المسألة على عاتقهم بالعمل على عقد مؤتمر عراقي في كربلاء، تدعى اليه عن طريق الخالصي النخبة من وجهاء المجتمع وشيوخ العشائر العراقية كافة للحضور اليها قبل مناسبة زيارتها بأيام قلائل.
ويبدو أن اختيار المراجع الدينية النجفية للخالصي كان صائباً كونه أبرز المجتهدين العرب العراقيين، ومن الناحية العملية أُتيح له اقامة علاقات واسعة مع القوى العشائرية في وسط العراق وجنوبه، باعتباره يرأس حوزة علمية شبه مستقلة في مدينة الكاظمية ببغداد، ويمتلك صلات طيبة مع الزعماء القبليين وعلماء الدين من اخوانه السنة الذين يُعد حضورهم ومشاركتهم في هذه الخطوة عاملاً مهماً لانجاحه، ولاضفاء طابع وطني شمولي عليه. فضلاً عن أن الخالصي معروف بحسه الوطني العالي المعادي للبريطانيين
أن بعض الباحثين حاول إظهار أن الخالصي قد حمل على عاتقه كل شيء، وأسندوا اليه جميع الأعمال المتعلقة بالمؤتمر وتهيئة مقدماته ومجرياته كافة، وعلى الرغم مما في هذا الرأي من صحة لكنه يبدو فيه تهميش ربما متعمد لدور العلماء الاخرين الذين طرحوا في الحقيقة فكرة عقد المؤتمر واستعانوا بالخالصي الكفؤ. وكان ردَّ الخالصي بأن أرسل مبعوثين شخصيين كما قام بتأليف لجنة خاصة مهمتها الاشراف على أعمال المؤتمر وتنظيم المسودة الأولية لمقرراته، كانت برئاسة نجله الأكبر الشيخ محمد، وعضوية كل من (نور عزيز الياسري وابن عمه علوان الياسري، محمد باقر الشبيبي، عبد الحسين الجلبي). وكان من أعمال اللجنة أنها شكلت أربع لجان فرعية مساعدة أخرى ضمت الوطنيين الشباب من مدن الكاظمية والحلة والنجف.
مارس السير برسي كوكس ضغطا ضد العاملين على المؤتمر في النجف وأبدى مخاوفه من احتمال سقوط الملك في أيدي المتطرفين والشيعة حسب تعبيره. وعزز هذه المخاوف برسالة بعثها الى رستم حيدر (1889 – 1940) رئيس الديوان الملكي في (4 نيسان 1922) زعم فيها أن لديه معلومات استخبارية عن سعي أطراف خارجية معادية إلى خلق صعوبات أمام حكومة فيصل المدعومة من قبل بريطانيا، وأنها تحاول استخدام علماء النجف الأشرف في مسعاها. وأضاف (كوكس) أن هدف التحركات التي تشهدها النجف لعقد مؤتمر في كربلاء ليس الدفاع ضد «الاخوان» بل هو استدراج الملك فيصل الى حضور الاجتماع ثم إجباره على الطلب من الحكومة البريطانية منح العراق استقلاله التام حالاً.
ولمجريات هذه الأحداث لدينا وقفة في عددنا اللاحق.

نشرت في الولاية العدد 91

مقالات ذات صله