القبة العلوية القٌ ذهبي يعود بريقه

_40A6919

تحقيق: علي الوائلي

النجف الأشرف مدينة ليست كباقي مدن العالم فهي حين ضمت مرقد الامام علي عليه السلام ابن عم رسول الانسانية محمد (صلى الله عليه واله وسلم) تكون غرة للشرف والمجد، وقبلة للعلم والتقوى والقيم العليا، حتى باتت محجا للمسلمين وغيرهم من كافة بقاع العالم، قاصدة هذا المرقد الطاهر تبتغي به وجه الله الذي يضع سره حيث يشاء, ولا مأل أقرب للاخلاص والتقوى من أرض احتضنت جسد النبأ العظيم أبي الأئمة الأطهار خليفة رسول الله ولي المسلمين علي بن ابي طالب صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
وقد أجريت على هذا المرقد المطهر الكثير من مشاريع الاعمار والتعديلات منذ اكتشافه ولحد الآن، وكان لقبته النصيب الأكبر من هذه المشاريع المعمارية حيث تعتبر من أهم معالم المرقد الطاهر فتمتاز هذه القبة بشكلها الجميل ووهجها الذهبي وهيبتها التي تسر الناظرين.

الطراز المعماري للقبة
ان القبة التي تغطي الضريح العَلَوي المقدس هي بالاصل قبتان: داخلية محدبة على هيئة نصف كرة مستديرة تقريبا مطرزة بالفسيفساء والقاشاني الجميل، يبلغ ارتفاعها عن ارض الحرم(23،50م)، وخارجية بصلية الشكل يبلغ ارتفاعها من قاعدتها إلى لفظ الجلالة الذي يعلوها(18،15م) وبين القبتين المذكورتين فراغ، يبلغ قطر القبة الداخلية (13.5)م، فيما يبلغ قطر القبة الخارجية (16.6)م، (ولهذه القبة من الخارج شكل قلما يوجد له نظير بين قباب الأضرحة والمساجد أيضاً في العالم كله)، وتعد قبة أمير المؤمنين(عليه السلام) من القباب العالية والضخمة والتي تمتاز برقبة طويلة تزيد في هيبتها وضخامتها، وتعتبر من أكثر القباب دقة وتنسيقاً وأروعها منظراً، وذكر الرحالة نيبور الذي زار النجف الأشرف سنة 1765م بقوله: (ليس هنالك في أي مبنى في العالم سقف أثمن من هذا السقف).
تستند القبة على أربع ركائز كبيرة على شكل زاوية وتقوم على رقبة طويلة يبلغ ارتفاعها (5،60م)، فيما يبلغ محيطها من الخارج(51.85)م, يخرج منها (12) شباكا لتهوية الحرم المطهر وإضاءته، يصل ارتفاع الشباك من الخارج إلى حوالي (4)م وعرضه (2.1)م، وإن المساحة الفاصلة بين شباك وآخر تصل إلى (2.15)م ، في حين وجدنا عمق الشباك(1.45) م لينفذ إلى القبة الداخلية، وقد زخرفت القبة من داخلها بأروع زخارف الفن الإسلامي، وأمر نادر شاه أن تطلى الكتابة الممنطقة للقبة من داخلها بالمينا والفسيفساء، وغُلفت ركائز القبة والعقود الفاصلة بينها بالمرايا الغاية في الجمال والدقة وبشكل مقرنصات، ثم يعلوها رقبة القبة التي غلفت بالبلاطات المزججة، كتب عليها آيات قرآنية كريمة أحاطتها عينية ابن أبي الحديد على هيئة(24) بيتاً من الشعر في الأعلى ومثلها في الأسفل، ونصب فوقها وضمن رقبة القبة شبابيك الإضاءة والتهوية.
ويفصل بين القبة والرقبة شريط يطوق القبة من الداخل كتب عليه بخط الثلث سورة الفجر، فيما أحاط القبة من الداخل أيضاً وعند ابتداء الرقبة القائمة على الأركان الأربعة شريط من الكتابة لسورة النبأ بخط الثلث.
أما من الخارج فقد كانت القبة مغلفة بالبلاطات الخزفية حتى عهد نادر شاه عام (1156)هـ الذي زار النجف الأشرف وأمر بخلع البلاطات الخزفية وتغليف القبة الشريفة بصفائح ذهبية, فغلفت الرقبة من الخارج بصفائح ذهبية مربعة طول ضلعها(24)سم، أما القبة فغلفت بصفائح ذهبية مستطيلة الشكل طولها حوالي(31.5)سم وعرضها (22)سم تصغر حجم الصفائح كلما وصلت القمة، ونصبت رمانة ذهبية على قمة القبة يبلغ ارتفاعها(3.5)م من عقدة البناء وحتى لفظ الجلالة الذي وضع في أعلى قمة، والذي نصب بدل الإكليل الذهبي (الكف والشمس الذهبية) التي كانت موجودة قبل لفظ الجلالة وعليه كتبت الآية الكريمة(يد الله فوق أيديهم)، وقد رفع بأمر الحكومة في بداية ثمانينيات القرن الماضي ونقل إلى بغداد حسب ما يذكر، ولم يتم العثور عليه رغم البحث المتواصل من قبل إدارة الصحن الشريف.

Z77A2580

تذهيب القبة الشريفة
ويعد التذهيب للقبة والمئذنتين من أشهر الآثار التاريخية للمرقد العَلَوي المقدس، والذي عمل عليه أكثر من مائتي صائغ ونحاس جمعوا من عدة أقطار، منهم العربي والصيني والهندي والتركي والفارسي وأكثرهم مكتوبة اسماؤهم على الصفائح النحاسية وراء الذهب وقد طليت كل قطعة على ما ذكر بعض الصاغة المباشرين لإصلاحه بمثقالين من الذهب الخالص.
وبسبب اختلاف حجم الصفائح التي تغطي القبة حيث تصغر الصفائح كلما صعدت الى القمة لا يمكن حساب العدد بشكل دقيق من خلال تحديد العدد في طول القبة وعرضها وزاوية ميلها، لذلك اختلفت الأقوال في عددها بين 8787 صفيحة كما ذكر الحكيم وعبد الرحيم مرزه، و 7777 صفيحة كما ينقل البعض، و 8888 صفيحة التي ذكرها لنا الحاج أبو يوسف المعمار حين قال: إن عدد الصفائح الذهبية فوق كتيبة المينا (الشريط الممنطق للقبة) وحتى القمة بلغ (8888) صفيحة وقد عدها بيده كما ذكر، وأضاف أن العمل بقي متأخراً لعدة سنين في التذهيب، وقد بلغ وزن الذهب المصروف للعملية (63)كيلوغرام، وبحسب مانقله السيد عباس أحمد علي الموسوي مدير إحصاء النجف السابق أنه رأى مطبوعاً في تركيا ذكر أن عدد الصفائح الذهبية الذي يغطي القبة بلغ 9990 صفيحة حسب إحصاء مجموعة من المهندسين بشكل دقيق.
وقد بلغ عدد الصفائح الذهبية تحت الشريط المطوق للقبة 2676 صفيحة مختلفة الأحجام والقياسات، حسبما وقفنا عليه من عدها ضمن إيوان وشباك متجاورين وضربها في (12) باعتبار وجود اثني عشر إيواناً وشباك، عدا الأشرطة الرفيعة المغلفة لإطار الشبابيك ونقشها.

انقشاع الظلمة
وبعد هذه السنين وتقادم قطع الذهب المغطاة بها القبة والظروف الجوية وكذلك بعد الخلاص من الطاغية المقبور وجلاوزته بدأت مرحلة جديدة في أعمار العتبات المقدسة اذ دخلت العتبة العلوية المقدسة بعدة مشاريع من حيث التوسعة والإضافات والبناء والترميم والصيانة واهم هذه المشاريع هو تذهيب القبة الشريفة ضمن توجه ادارة العتبة العلوية المقدسة للنهوض بواقع العتبة اذ كانت آخر عملية تذهيب للقبة خلال عامي 1969- 1970 , فقد باشرت كوادر العتبة العلوية المقدسة وبالتعاون مع مؤسسة الكوثر لإعمار العتبات المقدسة في العراق، بالمرحلة الثانية من تذهيب القبة العلوية المطهرة بعد أن أنجزت كوادر العتبة العباسية المقدسة المرحلة الأولى والتي اشتملت على تذهيب رقبة القبة الشريفة, اذ ان هذا المشروع يشتمل على إعادة صيانة الأجزاء المتضررة من القبة ثم طلاء القطع الذهبية من جديد وإعادتها إلى أماكنها الأصلية مع الحفاظ على القيمة التاريخية لها.
وكما اعلن الأمين العام للعتبة العلوية المقدسة السيد نزار حبل المتين في الحفل الذي اقيم بحضور عدد من ممثلي مراجع الدين العظام الى جانب الشخصيات الدينية والثقافية في مؤتمر صحفي للعديد من وسائل الاعلام عن انطلاق المرحلة الثانية من تذهيب القبة، وعن عزم العتبة على الإنتهاء بعون الله من أعمال تذهيب القبة العلوية بشكل كامل. ويضيف عضو مجلس ادارة العتبة العلوية المقدسة مظفر محبوبه الذي كان حاضرا حفل انطلاق المرحلة الثانية بانه سيتم تذهيب الجزء العلوي للقبة حيث كانت المرحلة الاولى 2525 طابوقة ذهبية مستهلكة 40ـ 45 كيلو غرام من الذهب لرقبة القبة اما المرحلة الثانية فهي تحوي على 9217 طابوقة ذهبية مستهلكة 12ـ 15 كيلو غرام من الذهب وهي ما تتعلق بجسم القبة.
اما عن طبيعة شراء الصفائح الذهبية فيحدثنا عضو اللجنة المشرفة على مشروع التذهيب والصيانة المهندس فلاح الصراف إنه : تمت المباشرة بالمشروع خلال عام 2012 حيث وافقت رئاسة ديوان الوقف الشيعي على تمويل المشروع من خلال شراء 100 كيلوغرام من الذهب وبسعر سبعة مليارات حسب السعر في ذلك الوقت عن طريق البنك المركزي العراقي وقد باشرت ورشة التذهيب التابعة إلى العتبة العباسية المقدسة بعملية تذهيب عنق القبة العلوية وبارتفاع خمسة أمتار وعشرين سنتيمترا وفق المواصفات القياسية المطلوبة.

 

BO3A7943

شبابيك القبة
وفي هذه المرحلة تمت عملية تبديل شبابيك القبة والبالغة اثني عشر شباكا مع إن عدد القطع الذهبية التي تم استبدالها في هذه المرحلة بلغ ألفين وخمسمائة وخمسة وعشرين قطعة, وفي المرحلة الثانية ايضا تم خلالها قلع القطع البالغ عددها تسعة آلاف ومائتان وسبع عشرة قطعة وإعادة ترقيمها حيث إن العدد الكلي للقطع الذهبية حول القبة يبلغ أحد عشر ألفا وسبعمائة واثنين وأربعين قطعة وقد تم إنشاء ورشة لإصلاح وتذهيب القطع.
وكما ان هناك عدة مراحل يتم فيها التعامل مع الطابوقة المذهبة الواحدة، حيث تتضمن المرحلة الأولى فتح الطابوقة ثم تعديلها بعد ذلك تجري عليها عملية الغسل ثم التذهيب ثم طلائها من الخلف والى ذلك يشير رئيس قسم الصيانة في العتبة العلوية المهندس احسان هاشم حيث تكون بعدها المرحلة النهائية وهي تركيب الطابوقة في مكانها الأصلي مع الحفاظ على القيمة الأثرية لهذه القطع, ويشير أيضا الى ان مشروع تذهيب القبة الشريفة يستوعب أكثر من 9700 قطعة نحاس مذهبة، يتطلب تذهيب القطعة الواحدة من 15 -17 غراما من الذهب عيار 24 ، كما إن مدة الإنجاز سنة واحدة بعمل شركة بهجت الكوثر الإيرانية وبالتعاون مع كوادر العتبة المقدسة.

شريط القبة
سنين طويلة مضت.. وألق القبة العلوية الذهبي ينقصه بريق حزامها الذي امتدت إليه أيدي ‏التطاول على حرمة المقدسات ظلما وعدوانا لأسباب منحرفة لا يبررها منطق سليم وبقيت أنظار ‏المحبين طامحة نحو اليوم الذي يرجع فيه حزام القبة الشريفة بجماله الأخاذ وما ان انقشعت حقب الظلام العجفاء تلك.. حتى تضافرت النوايا, واشتد العزم, وتكاتفت الأيادي ‏على إعادة هذا التراث الأصيل بكل ما يحمله من قدسية ومكانة في نفوس المؤمنين, ليعود للقبة ‏العلوية الشريفة رونقها الكامل, حيث تتزين الأنظار بطوق ذهبي من آيات سورة الفتح المباركة ‏وهي تعانق المينا الزرقاء بأحلى حلة وأبهى منظر,وقد تزامن ذلك مع ذكرى ولادة صاحب المرقد ‏الطاهر الإمام علي بن أبي طالب(‏عليه السلام‏). ‏
طال العتبة العلوية المقدسة في العقود العجاف السابقة الكثير من الظلم والتخريب شمل ‏أجزاء عديدة من العتبة المقدسة, كان منها القبة الشريفة عندما امتدت أياد تدفعها الجرأة ‏والتطاول على حرم أمير المؤمنين(عليه السلام) برفع حزامها الذهبي ولإغراض سياسية وطائفية، بحجة وجود أبيات من ‏الشعر كتبت باللغة الفارسية والتركية.
وان من خواص هذه القبة الشريفة ان لها حزاما يطوقها من الخارج شريط من المينا الزرقاء بارتفاع(1.46م)، نقشت عليه بحروف ذهبية بارزة آيات كريمة من سورة الفتح، وقسمت مساحة الشريط طولياً إلى(97سم) في الوسط لكتابة الآية القرآنية الشريفة، وشريط في الأعلى وآخر في الأسفل بارتفاع (24)سم، كتبت عليه آبيات من الشعر الفارسي، والتي من أجلها رفع النظام المباد الشريط بأكمله من على القبة الشريفة.
إن آيات القرآن الكريم لشريط القبة نقشت على قطعتين من النحاس متعامدة تطوق القبة الشريفة، يبلغ ارتفاع كل قطعة (49)سم، فيما يختلف عرضها من واحدة إلى أخرى بين (22.5) – (33.5)سم.
أما قطع النحاس في أعلى وأسفل الآيات القرآنية والتي كتبت عليها أبيات من الشعر الفارسي، فكانت على شكل مربع يبلغ طول ضلعه بشكل عام (24.5)سم.

نشرت في الولاية العدد 92

مقالات ذات صله