حيدر محمد الكعبي
انتجت ايران في العام 2015 فيلما ملحميا عن حياة الرسول الاكرم محمد بن عبد الله(صلى الله عليه وآله)، يروي احداث حياته منذ الولادة مرورا بطفولته وانتهاء برحلته الى الشام حيث صومعة الراهب بحيرا الذي بشر أبا طالب عليه السلام بظهور خاتم الانبياء.
وظف صناع فيلم (محمد رسول الله) امكانات هائلة في انتاجه، إذ بلغت تكاليفه حوالي 40 مليون دولار شاركت الحكومة الايرانية بدفع جزء منها، وبنيت مدن كاملة لتجسيد تلك المرحلة التاريخية بشكل مذهل. ويعد هذا العمل ثاني اضخم انتاج سينمائي يتناول سيرة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) اذ لم ينتج على هذا المستوى من الافلام في السابق سوى فيلم الرسالة لمصطفى العقاد، لذلك يشعر القائمون على هذا الفيلم ان العالم الاسلامي عليه ان يتبع نهجا أكثر نشاطا مع صانعي الأفلام الإسلامية لتشكيل الرأي العام العالمي تجاه الإيمان في ضوء أعمال الإرهاب الحالية، فهناك حوالي 200 فيلم عن النبي عيسى(عليه السلام)، و 100 فيلم عن النبي موسى(عليه السلام) بشكل مباشر أو غير مباشر، و 42 فيلما عن بوذا، في حين لم تجسد سيرة النبي محمد(صلى الله عليه وآله) الا في فلمين اثنين فقط.
ولكن الغريب هو ما وجهه هذا الفيلم من هجمات واعتراضات عنيفة تدعو الى منع عرضه، فمثلا هاجم مفتي المملكة العربية السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ فيلم «محمد رسول الله» قائلا إنه «تشويه للإسلام»، ونقلت صحيفة «الحياة» عن المفتي السعودي قوله إنه «فيلم مجوسي وعمل عدو للإسلام» مضيفا أن عرضه «لا يجوز شرعا»، من جهتها انتقدت رابطة العالم الإسلامي الفيلم مؤكدة «حرمة تجسيد النبي محمد في الأعمال الفنية تحت أي ذريعة كانت، وتجسيده في الأفلام والمسلسلات».
واذ لم تقدم الجهات المعترضة معلومات واضحة عن أسباب معارضة بث هذا الفيلم باستثناء أنه يقلل من قيمة الرسول أو يقوم بتمثيل ملامح وجهه، نفى مخرج الفيلم مجيد مجيدي ظهور وجه الشخصية التي تجسد دور الرسول في الفيلم، كما نفى أن تكون لديه أية نية في تشويه صورة الرسول محمد، بل بالعكس، فهو يريد الترويج لديانة إسلامية متفتحة على الآخرين وغير عنيفة مختلفة عن تلك الصورة التي تسوقها الجماعات الإرهابية كتنظيم ما يسمى «الدولة الإسلامية».
وقال مجيد مجيدي: «الهدف الذي أسعى إليه هو تقديم صورة إيجابية للإسلام تكون مخالفة للصورة التي يروجها الغرب والتي غالبا ما تسوق أن الإسلام هو دين العنف والإرهاب وليس دين التسامح والسلام والمحبة»، كما رد المخرج الإيراني على انتقادات السعودية والأزهر بالقول إن فيلمه لا يتحدث عن الرسول شخصيا بل كيف كان ينظر إلى الحياة والدنيا وكل الأمور المحيطة به وهو كان صبيا…
ويتمنى مجيدي أن يكون الفيلم الجزء الأول من أصل ثلاثة، اعتقادا منه أنه لا يمكن تغيير صورة الإسلام السيئة والنمطية عبر فيلم واحد، لكنه يوضح أن الأجزاء الأخرى لن تكون من إخراجه بالضرورة، داعيا كل السينمائيين المسلمين إلى أن ينتجوا أفلاما أخرى حول ما سماه «الإسلام الصحيح» لمواجهة النظرة الخاطئة والزائفة التي ترسخت في عقول عدد كبير من الغربيين.
ومع بدء عرض الفيلم الايراني، أعلن من العاصمة القطرية عن إنتاج عمل مشابه ضخم، لكن من دون تجسيد للنبي.
وقالت شركة النور للإعلام في بيان لها إنها تعمل على إنتاج “أكبر سلسلة ملحمية” في العالم تتكون من سبعة أجزاء على أن يكون إطلاق الفيلم الأول منها عام 2018. وقالت إن هذه الأفلام ستكون نقطة انطلاق لاستعراض الرسالات السماوية عبر التاريخ، ويشرف على إنتاج الفيلم باري أوزبورن، صاحب أفلام شهيرة أهمها “ملك الخواتم” و”ماتريكس” و”الأب الروحي”.
لذا فقد باتت تلوح في الافق حرب من نوع جديد، حرب عقائدية بلبوس معاصر، سلاحها السينما التي تعد من اكثر عوامل التأثير الفني والاعلامي جاذبية واقناعا.
ان هذا الامر يعني انه باتت تلوح في الافق حرب من نوع جديد، حرب عقائدية بلبوس ثقافي معاصر، حرب من العيار الثقيل، سلاحها السينما التي تعد من اكثر عوامل التأثير الاعلامي جاذبية واقناعا.
وهذا الامر يؤكد لنا ضرورة ان توظف المؤسسات الاعلامية الشيعية امكانات كبيرة لسلوك هذا الطريق الناجح، فهو يعد جانباً تبليغياً باسلوب معاصر يمكن ان يثبت معلومات عقائدية وتاريخية متعلقة بديننا الحنيف في عقول اجيال عديدة محليا وعالميا.
نشرت في الولاية العدد 93