صافي صفا

49_2

فائق الشمري

حين دار الزمن دورته وسكنت الأمواج وانحسرت مياه ذلك البحر المترامي الأطراف عن سواحل بانيقيا، تنفس الصبح وأشرقت على تلك الربوة شمس تمد أذرعها الذهبية تداعب وجنات شقائق النعمان التي غطت سهولها المترامية بلون الورد، فطاب هواءها ورق نسيمها، فكانت خد العذراء، والغري، والوادي المقدس، وغيرها من الأسماء..
أتخذها سيد الأوصياء محلا للخلوة بنفسه، كلما أراد التهجد والمناجاة لرب السماء.. وكان يخاطبها بالقول: (ما أحسن منظرك وأطيب قعرك اللهم اجعل قبري بها).
في ذات يوم..
وكعادته في ذلك المكان يناجي ربه ويسبح له، لمح الإمام من بعيد قافلة تشق طريقها وسط الرمال تتجه نحوه ببطء تحمل إحدى جِمالها جنازة يرافقها شاب لفحت وجهه الشمس، وبان عليه الإنهاك من مشقة الطريق وقسوة الصحراء..
وحين رأى الشاب أمير المؤمنين»عليه السلام» قصده وسلم عليه فرد عليه الإمام سلامه قائلا له: من أين؟
قال: من اليمن.
قال: وما هذه الجنازة؟
قال: جنازة أبي جئت لأدفنه في هذه الأرض.
فقال له أمير المؤمنين: لم لا تدفنه في أرضكم؟
قال: أوصى أبي بذلك وقال: إنه يدفن هناك رجل يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر.
فقال له أبو الحسن: أتعرف ذلك الرجل؟
قال: لا.
فقال: واللّه ذلك الرجل أنا، قم فادفن أباك».. فصلى عليه الإمام وقام بدفنه بيديه الكريمتين وكان جثمان هذا العبد الصالح أثيب اليماني(صافي صفا) أول جثمان ينقل إلى النجف الأشرف ثم توالت من بعده جنائز المؤمنين إلى هذه التربة المقدسة من مختلف أقطار العالم الإسلامي تبركاً بها وطلبا لشفاعة رجل يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر.

نشرت في الولاية العدد 93

مقالات ذات صله