البيوت التراثية تاريخ يأبى الاندثار

DSC06147

تحقيق: علي الوائلي

تاريخ طويل تمتاز به مدينة النجف الاشرف مذ ظهر مرقد الامام علي عليه السلام امام محبيه فتجمعت البيوتات حوله وقد ازدادت بعد نمو الحوزة العلمية على يد الشيخ الطوسي حيث تعددت هذه البيوتات في محلاتها الاربع التي حاوطت مرقد الامام علي عليه السلام اذ سكن فيها العلماء والمفكرين فهذه البيوت بسبب قربها من الحرم العلوي المطهر سكنها العديد من العلماء الافاضل حيث انها تبين كيف كانت حياتهم البسيطة فيها مع انهم قدموا لنا هذا الكم الهائل من المؤلفات التي اثرت المكتبات العالمية بالاضافة الى زعماء الانتفاضات والثورات لتسجل بذلك تاريخ هذه المدينة المعطاء.

في محلة البراق احدى المحلات الاربع القديمة للمدينة ومابين دهاليزها الضيقة (العكود) دخلنا لنصل الى احد تلك البيوتات لنتعرف عليها من الداخل فشممنا عبق الماضي وتاريخ مدينة نقشت اثارها على ابواب وجدران تلك البيوت..

إبداع معماري مميز
حيث بيَّن التراثي النجفي مهدي الصائغ والذي رافقنا طوال هذه الرحلة بقوله ان ما تميزت به عمارة هذه البيوتات بانها اهتمت بالفن الهندسي اذ ان ارضها الصحراوية ودرجة الحرارة المرتفعة فيها عملت على دقة نوعية البناء ومقاومتها لهذه الظروف حيث وضع المعماري النجفي لكل فصل ما يناسبه بالنسبة لهذه البيوتات للسكن فيها فكان البناء بشكل هندسي متميز ولهذا نجد بان اغلب البيوتات النجفية فيها لمسات معمارية وهندسية لا توجد في اي مدينة اخرى من مدن العراق، ولهذا نجد الغرف في الطابق الأعلى مكيفة لحرارة الصيف وبرودة فصل الشتاء والعمارة النجفية أجريت عليها دراسات كثيرة من خبراء جاؤوا الى المدينة من مختلف انحاء العالم لما تتميز به من فن معماري واشكال هندسية ونقوش ومن بين الذين زاروا هذه البيوتات احد العلماء اليابانيين وقد وقف متعجبا لما تحمله من هندسة معمارية رغم الطرق البسيطة سابقا وقد امتازت ايضا العمارة بان اسسها بنيت على السن الصخري ولهذا قاومت كل هذه السنين منذ مائتين او ثلاثمائة سنة على الرغم من وجود المياه الجوفية التي لم تؤثر فيها ونجد ان الاغلب منها حافظت على عمرانها وتتميز بالبناء المعقود في سقوفها والاعمدة الاسطوانية المثبتة عليها.
سراديب البيوتات النجفية هي واحدة من ميزاتها الكثيرة التي اشتهرت بها، حيث يشير الصائغ بانها تضم فنا هندسيا جميلا وقد وضعت فيها اماكن للتهوية من المنافذ او الشبابيك و(البادكير) او البخاري وهو ما تتم فيه عملية تدوير الهواء وتلطيف جو السرداب وفي اعلى درجات الحرارة وهبوب سموم الهواء، وحينما تنزل الى السراديب فانك تتأقلم مع برودة السراديب وتمتزج معها كما ان هناك ميزة اخرى وهي ان بعضهم قام بحفر السن الصخري ولم يكتف بالبناء فوقه حيث يكون شديد البرودة وتوجد انواع من السراديب حسب طبقاتها من النيم سن وكذلك السن فيكون فيها السكن جيدا.
إهمال ملحوظ
واثناء زيارتنا لبعض البيوتات لاحظنا العمارة والنقوش الجميلة والسراديب لكننا شاهدنا ايضا الاهمال الذي بعضها فمن كان يسكن فيها بعضهم انتقلوا الى رحمة الله تعالى والبعض الاخر هاجروا الى مدن اخرى، ولذلك تركت من قبل اصحابها وحتى ان بعضها اصبحت فيها قصص تقاسم الإرث، وفي هذا يقول الصائغ أثناء رحلتنا بين هذه البيوت القديمة التي تحمل في كل زاوية تاريخ حقبة مليئة بالأحداث؛ يقول: نحن بدورنا طالبنا الجهات الحكومية للحفاظ على هذه الاماكن التي نعتز بها من خلال ترميمها او استملاكها كي تكون شاخصة أمام العالم وتجعل كمتاحف امام السائحين والخبراء لان ما فيها من فن معماري لا يوجد في اي بقعة من العالم.
ومن اجل أطلاق مشروع لإنقاذ هذه البيوت التاريخية أوضحت اسيل الطالقاني رئيسة لجنة السياحة والاثار في مجلس محافظة النجف الاشرف؛ بانه لا يخفى على الجميع ان مدينة النجف الاشرف لها تاريخ طويل وتراث عريق فكل بيت قديم موجود في النجف هو يعدُّ مكاناً اثرياً وتراثياً، ومن خلال استلامنا للجنة السياحة خاطبنا وزارة السياحة والاثار بالاعتناء بهذه البيوتات وبالفعل اعادت الوزارة ترميم وصيانة بعض البيوتات وهذه البيوتات هي املاك خاصة لبعض المواطنين كما ان هذه البيوتات بعضها يعود لبعض الزعماء الذين عرفوا في تاريخ العراق اذ كانت النجف الاشرف تواكب التطور العمراني ومدينة النجف مرت بحقب تاريخية عدة ولكل حقبة تراث راسخ فيها وفي مخاطباتنا للوزارة اكدنا على ان تكون هذه البيوتات متحفا يرتاده السائحون للتعرف على تاريخ وتراث هذه المدينة.

طموح الإعمار
لم تخل تلك البيوتات التراثية القديمة من مجالس الشعر والادب والتشاور والحديث بوضع البلاد حيث كان بعضهم من زعماء الثورات بوجه الطامعين يتجمعون فيها وكذلك منافسة الشعراء في قصائدهم حاضرة فيها والى ذلك يشير مدير البيت الثقافي في النجف الاشرف صفاء السلطاني في ان اكثر البيوت التراثية في النجف الاشرف هي جزء كبير لا يتجزأ من تاريخها الذي يمثل الحقب الزمنية التي مرت على هذه المدينة حيث ان المتتبع لكيفية بناء هذه البيوتات ونوعية الطابوق والنقوش على الجدران كلها تمثل تاريخ وتراث كبير لهذه المدينة فبالتالي ان البناء المعماري هو جزء لا يتجزء من الانتماء التاريخي لها ويحدد تاريخ بنائها وعمقها التاريخي هذه البيوتات كانت تضم الكثير من المجالس الثقافية ويتداول المثقفون فيها المعلومات والنقاشات داخل هذه البيوت ونطمح الى اعمارها التي تهالك بعضها ونتخوف كثيرا من ان تتهالك تدريجيا وبالتالي لا يكون لدينا منزل من المنازل القديمة الذي يمثل العمق التاريخي والتراثي لهذه المدينة نحن نطالب اولا الجهات التشريعية في ان تبذل جهدها في تشريع قانون او وضع تخصيص مالي لبعض البيوت التراثية عند تحديدها لصيانتها وحمايتها لتكون مقصدا للزائرين والسواح الكثير من الخبراء زارونا هنا في البيت الثقافي باعتبار ان لدينا اتفاقية مع اليونسكو لحماية التراث الحي والتراث الذي يسمى التراث المادي وغير المادي حينما تاتي مستشارة اليونسكو لحماية التراث لا نعرف الى اين نأخذ بها ونحدد البيوت التي تمثل عمق هذه المدينة لأننا سنذهب الى بيوت متهالكة شبه مهدمة واتمنى ان تكون هناك وقفة جادة من المحافظة ومجلس المحافظة بهذا الشأن.

نشرت في الولاية العدد 94

مقالات ذات صله