العــلاّمة الحلّــي

k1738393

حمود الصراف

آية الله جمال الملة والحق والدين أبو منصور الحسن بن الشيخ الفقيه سديد الدين يوسف بن علي بن المطهر الحلي، من الشخصيات الفذة اللامعة ونوابغ الزمن، بث المعارف الراقية وسهل الوسائل لمعرفتها، وقد برهنت مساعيه على المواهب التي أفاضها الله سبحانه وتعالى عليه وميزته عن الأفذاذ من علماء العصور.. كان استاذه الوزير نصير الدين محمد بن محمد بن الحسن الطوسي (رض) يجاهر بقوله بلغ (ابن المطهر) من الرقي في العلم إذا حاجج فاق لحذاقته بطرق الجدل وبصيرته بالأساليب التي تسكت الخصم وتلزمه الاعتراف بالعجز..

نشأته:
نشأ العلامة رضوان الله تعالى عليه بين أبوين صالحين، وشارك في تربيته وتوجيهه وتعليمه مشاركة فعالة خاله المعظم المحقق الحلي، ولد العلامة رضوان الله عليه في بيت علمي مملوء بالتقوى والايمان، وبين أسرتين علميتين ـ الاب والام ـ من أسر الحلة التي عرفت بالعلم والتقوى، وهما أسرة بني المطهر وأسرة بني سعيد، فنمى من قبل الأسرتين، ..وتعلم القراءة والكتابة، وثم درس العربية والأدب، وبعد ذلك بدأ بدراسة الفقه والأصول والكلام والتفسير والعلوم العقلية والرياضية.. ومرت عليه سنون قليلة حتى أصبح من التلاميذ المتفوقين الذين يشار لهم بالبنان. ثم شرع بالدرس حيث تخرج على يده عدد غفير من العلماء.
الهجرة الى بغداد:
هاجر العلامة في عام 702 هـ‍ إلى بغداد بطلب من السلطان غازان خان – محمود – حيث ناظر علماء العامة بحضور السلطان وتغّلب عليهم، وأدى ذلك إلى تشيع السلطان وعدد كبير من الامراء والوزراء وقادة الجيش. وأمر السلطان في تمام ممالكه بتغيير الخطبة واسقاط أسامي الثلاثة عنها وبذكر أسامي أمير المؤمنين وسائر الأئمة عليهم السلام على المنابر، وبذكر حي على خير العمل في الاذان، وبتغيير السكة وحذف أسماء الثلاثة منها ونقش الأسامي المباركة فيها.. وبقي العلامة ملازما لهذا السلطان المستبصر.
الرجوع الى مسقط راسه
في عام 716 هـ‍ توفي السلطان محمد خدابنده فرجع العلامة الحلي إلى مدينة الحلة، واشتغل فيها بالتدريس والتأليف وتربية العلماء وتقوية المذهب وارشاد الناس..حتى شدت إليه الرحال من كل جانب، ولم يخرج العلامة من الحلة منذ رجوعه إليها حتى وفاته إلا إلى الحج الذي كان في أواخر عمره الشريف
مشايخه في القراءة والإجازة:
والده أخذ منه الفقه والأصول والعربية وسائر العلوم، وروى عنه الحديث، خاله الشيخ نجم الدين جعفر بن الحسن بن سعيد المحقق الحلي، أخذ منه الكلام والفقه والأصول وسائر العلوم، وروى عنه، الخواجة نصير الدين محمد بن الحسن الطوسي، أخذ منه التعليقات والرياضيات، الشيخ نجيب الدين يحيى ابن سعيد الحلي، الشيخ كمال الدين ميثم بن علي البحراني، قرأ عليه التعليقات، وروى عنه الحديث، السيد جمال الدين أحمد بن موسى بن طاووس الحسيني، أخذ عنه الفقه، السيد رضي الدين علي بن موسى بن طاووس الحسيني، السيد غياث الدين عبد الكريم بن طاووس، صاحب فرحة الغري..
تلامذته والراوون عنه:
قرأ عليه وروى عنه جمع كثير من العلماء، ومنهم: ولده فخر الدين محمد، السيد عميد الدين عبد المطلب الحسيني الأعرجي الحلي، السيد ضياء الدين عبد الله الحسيني الأعرجي الحلي، السيد النسابة تاج الدين محمد بن القاسم بن معية الحلي، محمد ابن علي الجرجاني، الشيخ زين الدين أبو الحسن علي ابن أحمد بن طراد المطار آبادي، الشيخ سراج الدين حسن بن محمد بن أبي المجد السرابشنوي، الشيخ تاج الدين حسن بن الحسين بن الحسن السرابشنوي، علاء الدين أبو الحسن علي بن زهرة، المولى تاج الدين محمود بن المولى زين الدين محمد بن القاضي عبد الواحد الرازي، الشيخ تقي الدين إبراهيم بن الحسين بن علي الآملي، السيد جمال الدين الحسيني المرعشي الطبرسي الآملي..
اقوال العلماء فيه:
مدحه وأثنى عليه كل من عاصره من أساتذته وتلامذته، وذكره بالاجلال كل من تأخر عنه إلى يومنا هذا، ومنهم: أستاذه نصير الدين الطوسي قال: عالم إذا جاهد فاق.
ابن داود قال: شيخ الطائفة وعلامة وقته وصاحب التحقيق والتدقيق، كثير التصانيف، انتهت رئاسة الإمامية إليه في المعقول والمنقول
الصفدي، قال: الامام العلامة ذو الفنون.. عالم الشيعة وفقيههم، صاحب التصانيف التي اشتهرت في حياته.. وكان يصنف وهو راكب.. وكان ابن المطهر ريض الأخلاق، مشتهر الذكر، تخرج به أقوام كثيرة.. وكان إماما في الكلام والمعقولات
الشهيد الثاني، حيث قال في إجازته للسيد علي الصائغ: شيخ الاسلام ومفتي فرق الأنام، الفارق بالحق للحق، جمال الاسلام والمسلمين، ولسان الحكماء والفقهاء والمتكلمين جمال الدين
المحقق الكركي، حيث قال في اجازته لعلي بن عبد العالي الميسي: شيخنا الشيخ الامام شيخ الاسلام مفتي الفرق، بحر العلوم، أوحد الدهر شيخ الشيعة بلا مدافع جمال الملة والحق والدين
مؤلفاته:
له مؤلفات كثيرة في مختلف العلوم، ومنها:
آداب البحث، الأبحاث المفيدة في تحصيل العقيدة، إجازة بني زهرة، أجوبة المسائل المهنائية، الأربعين في أصول الدين، إرشاد الأذهان إلى أحكام الايمان، استقصاء الاعتبار في تحرير معاني الأخبار، الاسرار الخفية في العلوم العقلية، الإشارات إلى معاني الإشارات، الألفين الفارق بين الصدق والمين، إيضاح مخالفة السنة لنص الكتاب والسنة، تسبيل الأذهان إلى أحكام الايمان، تسليك الافهام في معرفة الاحكام، تسليك النفس إلى حظيرة القدس، تهذيب النفس في معرفة المذاهب الخمس، تهذيب الوصول إلى علم الأصول، جامع الأخبار، الخلاصة في أصول الدين، الدر المكنون في شرح علم القانون ، كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين، لب الحكمة..
وفاته ومدفنه:
ورد في وفاته عدة أقوال منها: إنه في الحادي عشر من المحرم، ذهب إليه التفرشي في نقده، والقرشي في نظامه، والمامقاني في تنقيحه، والميرزا في منهجه، والسيد الصدر في تأسيس الشيعة، وفخر المحققين كما نقل عنه، وغيرهم، انه في الحادي والعشرين من المحرم، ذهب إليه الشهيد كما نقل عنه، والشيخ البهائي في توضيحه، والإشكوري في محبوبه، والخوانساري في روضاته، والمحدث النوري في خاتمته، وغيرهم، وانه في العشرين من محرم، ذهب إليه الشهيد الثاني كما نقل عنه، وابن كثير في بدايته.
ولما توفي العلامة الحلي رضوان الله تعالى عليه في مدينة الحلة حمل نعشه الشريف إلى النجف الأشرف ودفن جوار أمير المؤمنين عليه السلام في حجرة(1) إيوان الذهب الواقعة على يمين الداخل إلى الحضرة الشريفة العلوية بجنب المنارة الشمالية.
وعند تعمير الروضة العلوية فتح باب ثان من الايوان الذهبي يفضي الباب إلى الرواق العلوي، فصار قبر العلامة في حجرة صغيرة مختصة به على يمين الداخل ممرا للزائرين يقصدونها حتى اليوم، ولها شباك فولاذي، ويقابل هذه الباب والحجرة باب ثانٍ وحجرة أخرى دفن فيها المحقق الأردبيلي قدس سره، ولذا قال السيد المرعشي: فأكرم بهما من بوابين لتلك القبة السامية، وجدير أن يقال: أسد الله علي المرتضى، اجتبى حبرين من نوابه، ليكونا بعد من بوابه.

نشرت في الولاية العدد 94

مقالات ذات صله