الفرق بين الزوجة والمرأة في القرآن الكريم

134215492211

الشيخ محسن كامل الخزاعي

تعالوا لنتعرف على البلاغة في القرآن الكريم والدقة في التعبير والبيان، فمتى تكون المرأة زوجا ومتى لا تكون؟
عند استقراء الآيات القرآنية التي جاء فيها اللفظان نلحظ ان لفظ (زوج) يطلق على المرأة اذا كانت الزوجية تامة بينها وبين زوجها وكان التوافق والاقتران والانسجام تاما بينهما بدون اختلاف ديني او نفسي او جنسي.
فإن لم يكن التوافق والانسجام كاملا، ولم تكن الزوجية متحققة بينهما، فإن القرآن يطلق عليها (امرأة) وليست زوجا كأن يكون اختلافاً دينياً عقدياً او جنسياً بينهما.
ومن الأمثلة على ذلك قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ){الروم/21} وقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا){الفرقان/74}.
وبهذا الاعتبار جعل القرآن حواء زوجا لآدم، في قوله تعالى: (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ){البقرة/35}، وبهذا الاعتبار جعل القرآن نساء النبي صلى الله عليه واله وسلم ازواجا له في قوله تعالى: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ){الأحزاب/6}.
فإذا لم يتحقق الانسجام والتشابه والتوافق بين الزوجين لمانع من الموانع فإن القرآن يسمى الأنثى (امرأة) وليس (زوجا).
قال القرآن: امرأة نوح وامرأة لوط ولم يقل: زوج نوح او زوج لوط وهذا في قوله تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا){التحريم/10}.
انهما كافرتان، مع ان كل واحدة منهما امرأة نبي، ولكن كفرها لم يحقق الانسجام والتوافق بينهما وبين بعلها النبي لهذا ليست زوجا له او انما هي امرأة تحته.
ولهذا الاعتبار قال القرآن: امرأة فرعون، في قوله تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ){التحريم/11}، لأن بينهما وبين فرعون مانع من الزوجية، فهي مؤمنة وهو كافر، ولذلك لم يتحقق الانسجام بينهما، فهي (امرأته) وليست (زوجه).
ومن روائع التعبير القرآني العظيم في التفريق بين زوج او امرأة ما جرى في اخبار القرآن عن دعاء زكريا عليه وعلى نبينا افضل الصلاة والسلام، ان يرزقه ولدا يرثه، فقد كانت امرأته عاقرا لا تنجب، وطمع هو في اية من الله تعالى، فاستجاب الله له، وجعل امراته قادرة على الحمل والولادة.
عندما كانت امراته عاقرا اطلق عليها القرآن كلمة (امرأة) قال تعالى على لسان زكريا (وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا){مريم/5}، وعندما اخبره الله تعالى انه استجاب دعاءه، وانه يرزقه بغلام، أعاد الكلام عن عقم امراته فكيف تلد وهي عاقر قال تعالى: (قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاء){آل عمران/40}.
وحكمة اطلاق كلمة (امرأة) على زوج زكريا عليه السلام ان الزوجية بينهما لم تتحقق في أتم صورها وحالاتها، رغم انه نبي، ورغم أن امرأته كانت مؤمنة، وكانا على وفاق تام من الناحية الدينية الإيمانية.
ولكن عدم التوافق والانسجام بينهما، كان في عدم إنجاب امرأته، والهدف النسلي من الزواج هو النسل والذرية، فإذا وجد مانع حيوي عند أحد الزوجين يمنعه من الإنجاب، فإن الزوجية لم تتحقق بصورة تامة.
ولأن امرأة زكريا عليه السلام عاقر، فإن الزوجية بينهما لم تتم بصورة متكاملة ولذلك اطلق عليها القرآن كلمة امرأة.
وبعدها زال المانع من الحل، واصلحها الله تعالى، وولدت زكريا ابنه يحيى، فإن القرآن لم يطلق عليها (امرأة) وإنما اطلق عليها كلمة (زوج)، لأن الزوجية تحققت بينهما على اتم صورة، قال تعالى: (وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ){الأنبياء/89ـ90}.
والخلاصة ان امرأة زكريا عليه السلام قبل ولادتها يحيى هي امرأة زكريا في القرآن، لكنها بعد ولادتها يحيى هي زوج وليست مجرد امراته.. وبهذا عرفنا الفرق الدقيق بين زوج وامرأة في التعبير القرآني العظيم، وانهما ليستا مترادفين.

نشرت في الولا ية العدد 95

مقالات ذات صله