أزمة قراءة.. أزمة ثقافة

%d8%a7%d8%b2%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%a1%d8%a9

محمد الخالدي

عُرف العراق منذ بدء الخليقة بحبّه للثقافة والآداب والفنون, وبأنه موطن القراءة والكتابة, فقد أكدت كثير من الرقم الطينية والشواهد التاريخية والاكتشافات الآثارية على هذه الحقيقة. هذا فيما يتعلق بتاريخ ما قبل الميلاد. أمّا في العصر الإسلامي, فقد صارت البصرة والكوفة وبغداد منارات لا تدانيها منارات أخرى في العلوم والثقافة والآداب والفنون.
وقد استمر هذا الحال من الازدهار حتى سقوط بغداد سنة 656هـ/ 1258م, إذ تعاقبت على العراق بعد ذلك كثير من الاحتلالات, إلا أن كل هذا لم يلغِ هوية العراق الثقافية وحبّ العراقيين للعلم والأدب والثقافة.
أمّا في أمسنا القريب فقد شاعت مقولة ( مصر تؤلف, لبنان تطبع , العراق يقرأ), ومع أن هذه المقولة فيها ثلم للثقافة العراقية, إلا أنها من جانب آخر قد دلت على حبّ العراقيين للقراءة التي توارثوها جيلا بعد جيل.
إلا أنّ ما أخل بهذه المعادلة (أزمة القراءة), بعد سقوط النظام السابق, الانفتاح الكبير على العالم الذي شهدته الساحة العراقية بشكل غير منضبط بعد ثورة العولمة, التي صيرت العالم قرية صغيرة عبر الشبكة العنكبوتية وانتشار الفضائيات وهيمنتها على مقدرات العائلة العراقية رؤى وتوجها وثقافة وسلوكا, مما جعل كثيراً من العراقيين يدمنون الانترنيت, الذي أسهم في تغيير كثير من الطباع والقيم والتقاليد, ليؤثر كل هذا سلبا على سلوك الفرد العراقي. فقد صارت شخصية الشاب العراقي شخصية هجينة, تستمد مقوماتها الثقافية والاجتماعية والاخلاقية من خلال هذه الشبكة. وقد أنعكس كل هذا على واقع الثقافة العراقية, مما أسهم في عزوف الناس عن القراءة, التي تشكّل العمود الفقري في الثقافة, وهذا ما عجل بظهور أزمة ثقافية خانقة, فلم يعد العراقي يولي اهتماما يُذكر بالقراءة وشؤونها وشجونها, وقد ساعد ذلك في زيادة الأمية حتى بين الفئات التي تتعاطى الثقافة.
من هنا يمكن القول أن فضاء الحرية الذي اتاحه الانترنيت لكثير من أدعياء الثقافة, لم ولن يخلق جيلا مؤهلا لحمل الثقافة والدفاع عنها, والإبداع في مختلف شؤونها. ومما يدل على صحة ما ذهبنا إليه هو أننا -عادة – ما نجد كثيرا من الكتابات لحملة شهادات عليا, وهي تفتقر لأبسط شروط الكتابة.
من كل ما تقدم يتبين لنا أنّ هناك أزمة ثقافية كبيرة تتطلب جهودا جبارة من الجهات ذات العلاقة بدءً من المدارس بمختلف مراحلها, وانتهاءً بالجامعة, لتسخير جميع امكاناتها وطاقاتها الثقافية والأدبية لإشاعة روح حب الثقافة والتوجه نحو القراءة لدى جيل الشباب, والأخذ بيد المواهب في مختلف فروع الثقافة والأدب, وذلك من خلال رعايتها وتشجيعها بإقامة مسابقات وطنية في طول البلاد وعرضها, بهدف تطوير تلك المواهب وصقلها لتأخذ دورها في بناء الثقافة العراقية.
إنّ مشروعا كهذا بحاجة ماسة لتضافر جميع الجهود لإنجاحه وتحقيق الغاية المرجوة منه, إذ من دون هذه الجهود المخلصة ستستمر أزمة الثقافة في بلد علّم العالم الحرف.

نشرت في الولاية العدد 95

مقالات ذات صله