شعراء أهل البيت عليهم السلام الشاعر الكميت بن زيد الاسدي

k1738393

د. خليل المشايخي

الرواة والكميت:
يأبى الرواة الا ان يجعلوا الكميت شاعراً يسمو بشعره منازل الشعراء الكبار امثال الفرزدق وجرير والاخطل وشعراء ما قبل الاسلام الافذاذ.. ويروى ان الكميت لما قدم الفرزدق الكوفة أسرع اليه فقال له: اني قلت شيئا فاسمعه مني يا ابا فراس، قال: هاته، فانشده الكميت ما قاله في أهل البيت وهي قصيدته البائية التي يقول فيها:

طربتُ وما شوقاً إلى البيض أطربُ                     ولا لعباً منـي وذو الشيب يلعـبُ
ولم يُلْهني دارٌ ولا رسم منزلٍ                           ولم يتطـربني بَنان مخـضَّبُ
ولا السـانحـات البارحات عشيةً                         أمرَّ سليمُ القرن أم مرَّ أعضبُ
ولكن إلى أهل الفضائل والنُّهى                         وخير بني حوّاء والخيرُ يُطلَبُ
إلى النفر البيـض الذين بحبهـم                          إلـى الله فيمـا نابنـي أتقـرّبُ
بني هـاشمٍ رهـط النبي فإنني                         بهم ولهم أرضى مراراً وأغضبُ
خفضت لهم مني جناحَي مـودةٍ                        إلى كنف عِطفاه أهلٌ ومـرحبُ
وكنت لهم مـن هـؤلاء وهـؤلا                             مجنّاً علـى أنـي أُذمُّ وأغضـبُ
وأُرْمى وأرمي بالعـداوة أهلهـا                          وإنـي لأُوذى فيـهـمُ وأُؤنَّـبُ

فقال له الفرزدق: لقد طربت الى شيء ما طرب اليه احد قبلك، فأما نحن فلا نطرب، ولا طرب من كان قبلنا الا ما تركت أنت الطرب اليه ثم قال له يا ابن اخي اذِعْ ثم اذِعْ، فأنت والله اشعر من مضى واشعر من بقي.
وان شهادة شاعر كبير مثل الفرزدق لهي شهادة كبيرة قيمة..

شاعريته:
لقد أخذ الرواة يعرضون شعر الكميت من خلال ما تميز به شعره من ديباجة كانت عنوانا عليه يعرفه بها الرواة حتى وان لم يذكر اسمه على شعره فان الرواة تميزه وتنسبه اليه.
ويروى انه وجد رقعة على باب هشام بن عبد الملك فيها شعر، فَدُخل بها على هشام فقُرِئت عليه منها هذه الابيات:

تألق برق عندنا وتقابلت                أثاف لقدر الحرب أخشى اقتبالها
فدونك قدر الحرب وهي مقرة          لكفيك واجعل دون قدر جعالها
وإن تنتهي أو يبلغ الأمر حده           فنلها برسل قبل أن لا تنالها
فتجشم منها ما جشمت من التي   بسور أهرت نحو حالك حالها

ومنها قوله:

وقد تخبر الحرب العوان بسرها          وإن لم يبح من لا يريد سؤالها

فأمر هشام ان يُجتمع له الرواة وحينما حضروا مجلسه امر ان تقرأ هذه الابيات عليهم وبعد ان سمعوها قال لهم هشام: شعر من تشبه هذه الابيات؟
فأجمع الحاضرون أنها من شعر الكميت، فقال هشام: نعم هذا كلام الكميت ينذرني بخالد ابن عبد الله.
فاسلوب الشاعر دلالة على صاحبه.
وكان الشاعر بشار بن برد يتحامل على الكميت ويقول: ما كان الكميت شاعراً، فقيل له كيف وهو الذي يقول:
انصفُ امرءٍ من نصف حيٍ يسبّني   لعمري لقد لاقيت خطبا من الخطب
هنيئا لكلب ان كلبا يسبني          واني لم اردد جواباً على كلب
فبهت بشار من هذا الشعر، واجاب بجواب ضعيف.
ولقوة شعره فقد استشهد به النحاة اكثر من مرة وقد اهتم بن قتيبة برواية شعره فيروي له هذه الابيات من باب المودة:

وما أنا بالنكر الدنيء ولا الذي           اذا صد عنه ذو المودة يقربُ
ولكنه ان دام دمت وان يكن              له مذهب عني فلي عنه مذهب
وروى له ابن قتيبة في باب شرار الاخوان قوله:

وقد يخذل المولى دعائي ويجتدي      اذاتي وان يعدل به الضيم اغضب
فأونس من بعض الصديق ملالة          الدًّ نوِّ فأستبقيهمو بالتجنبِ

ومثلهما اجاد في اغراض شعرية اخرى اجاد بالهجاء فقد هجا فريقا من الشعراء وتعرض للحبس بسبب هجائه لبعض الأمراء، ويروى ان الكلبي عرض له بهذين البيتين:
ما سرني أن أمي من بني أسدٍ           وأن ربي نجاني من النار
وأنهم زوّجوني من بناتهم                   وأن لي كلَّ يومٍ ألف دينار

فأجابه الكميت:
يا كلب ما لك ام من بني اسد             معروفة فاحترق يا كلب بالنار
لكن امك من قوم شنئْتَ بهم               قد قنعوك قناع الخزي والعار

حبه لآل الرسول صلى الله عليه وآله:
ان حب الكميت للرسول صلى الله عليه وآله واهل بيته كان حبا صادقا يفيض صدقا ومحبة وشاعرية.. ويمضي متغنيا بحب رسول الله صلى الله عليه واله وأهل بيته في زمن كان يعرض الشاعر الى غضب الحكام عليه وحبسه وكان يصرح بان بني امية انتهبوا الخلافة بغير حق، وهي في رأيه ميراث الرسول صلى الله عليه واله لا يصلح لها الا اهله الاقربون وكان يرفض الجوائز ولا يقبل بها فكان يقول: (والله لم اقبل بها اني لم احبكم للدنيا)
رحم الله شاعر اهل البيت الكميت بن زيد الاسدي..

نشرت في الولاية العدد 95

مقالات ذات صله