الغيبة

%d8%a7%d9%84%d8%ba%d9%8a%d9%8a%d8%a8%d8%a9

واضح ومعروف لمن كان له ادنى فكرة او جزء يسير من المعرفة بالأحكام الشرعية حرمة الغيبة، وللاطلاع على ذلك بشكل أوسع وأدق نحاول البحث فيها للفت الانتباه الى ضرر هذا المرض العضال، وضرورة الابتعاد عنه، والاقلاع عن ممارسته، فقد بات متفشيا في مجالسنا، وانديتنا، حتى اصبح اتيانه أمراً متعارفا لا مستنكرين ولا مستنكفين منه، وعلى العموم للغيبة تعريفان أحدهما اصطلاحي (وهو ذكر الانسان حال غيبته بما يكره نسبته اليه مما يعد نقصانا في العرف بقصد الانتقاص والذم) والآخر لغوي (وهو التكلم خلف انسان مستور بما يغمه لو سمعه، فإن كان صدقا سمي غيبة وان كان كذبا سمي بهتانا) فالغيبة ذكر العيب بظهر الغيب، وهي الوقيعة في الناس فمعناها ذكر المؤمن حال غيابه بما فيه، وما يكرهه من الأوصاف الموجودة في خلقه أو خلقته، أو ذكر ما يتعلق من اللون والمهنة، وغيرها من الامور لدى غيره من الناس، مما يعد أنتقاصاً له ولشأنه ومكانته، وتتحقق الغيبة بذكره بالكلام والكتابة والاشارة وغيرها كنشر صوته أو صورته أو وثائقه الخاصة وهكذا.
فقد روي عن عائشة أنها قالت: (دخلت علينا امراة فلما ولت أومأت بيدي أي قصيرة، قال صلى الله عليه واله اغتبتيها) (عوالي اللآلي: 1/434) فالغيبة أعم من الذكر القولي، والعرف لا يفهم من الاخبار الواردة في الغيبة خصوصية للفظ، بل هي اسلوب من اساليب التفهيم وانها غالبا ما تكون باللفظ، لا من جهة خصوصية فيه، كما هو المستفاد من رواية عائشة الانفة الذكر، وفي وصية النبي صلى الله عليه واله لأبي ذر، اذ قال لرسول الله صلى الله عليه واله ما الغيبة؟ قال صلى الله عليه واله: (ذكرك أخاك بما هو فيه فقد اغتبته، واذا ذكرته بما ليس فيه فقد بهته)(وسائل الشيعة مجلد 8 باب 152 ح9)، وورد أيضا في حديث صلى الله عليه واله سائلا: (هل تدرون ما الغيبة)؟ قالوا: الله ورسوله اعلم قال: (ذكرك اخاك بما يكره)، قيل: أرأيت ان كان في اخي ما اقول، قال: (ان كان فيه ما تقول فقد اغتبته وان لم يكن فيه فقد بهته)(كشف الريبة للشهيد الثاني).
وذُكر رجل عند رسول الله صلى الله عليه واله فقالوا عنه ما اعجزه فقال صلى الله عليه واله: (اغتبتم صاحبكم)، فقالوا يا رسول الله قلنا ما فيه، قال: (ان قلتم وما ليس فيه فقد بهتموه)، وتحريم الغيبة مجمع عليه، بل هي موبقة كبيرة لصراحة الوعيد عليها بالخصوص في الكتاب والسنة، فعن نوف البكالي اتيت أمير المؤمنين عليه السلام، فقلت: زدني قال: (اجتنب الغيبة فإنها ادام كلاب النار) ثم قال عليه السلام: (يا نوف كذب من زعم أنه ولد من حلال وهو يأكل لحوم الناس بالغيبة).
وقد نص الله تعالى على ذمها في كتابه وشبه صاحبها بأكل لحم أخيه ميتا (وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ)(الحجرات/12)، فيجب الحذر والابتعاد عن الغيبة حتى لا نثقل انفسنا بوحل السيئات، التي معها لا تنفع شفاعة الشافعين الا براءة الذمة من المغتاب، وكذا عدم التجسس فكلها مقدمات الاغتياب، واما ذكرك الشخص بقصد الشفقة عليه لما كانت غيبة، ولما آلت من اكل لحمه، حتى يحتاج الى طلب المغفرة وبراءة الذمة.

نشرت في الولاية العدد 96

مقالات ذات صله