الخبير الاقتصادي الاستاذ فلاح شفيع

اجرى اللقاء هاشم الباججي

النجف الاشرف مثلما انـجبت العلماء والفضلاء والأدباء.. فهي بلدة حباها الله تعالى بالخيرات والنعم والفيوضات ببركة صاحب المرقد الطاهر عليه السلام ولأنها أرض الأنبياء والصالحين والعلماء.. ومن ابناء هذه المدينة الطيبة يبرز اسم الخبير الاقتصادي الأستاذ فلاح شفيع الذي ابدع في ابحاثه في مجال التنمية الاقتصادية والمالية وسبل الارتقاء بها من خلال وضع استراتيجية منهجية للعمل الاقتصادي، وفي احدى زياراته الى النجف الاشرف قادما من لندن وفي العتبة العلوية المباركة أجرينا هذا اللقاء..

السيرة الذاتية:
فلاح حسن جواد شفيع ولدت في النجف الأشرف في محله البراق سنة 1951وانتقلت الى بغداد سنة 1957 ودخلت الى مدرسة الحكمة فأكملت 3 سنوات في الابتدائية وبعدها رجعت الى النجف واكملت الدراسة الابتدائية والمتوسطة والإعدادية في اعدادية الكندي وضمن خريجي الوجبة الأولى، ودخلت كلية التجارة جامعة بغداد سنة 1970، عينت عام 1971 في ديوان الرقابة المالية واكملت دورة ومنحت دبلوم وتدربت في العمل في ديوان الرقابة المالية وفي عام 1975 قبلت بالدراسات العليا دبلوم عال مراقبة حسابات ومنحت شهادة محاسب قانوني وحصلت على هذا اللقب لحين مغادرة العراق سنة 1981.

ما دور الفكر الإسلامي الاقتصادي مقابل الأفكار المطروحة في الساحة؟
خلال الدراسة الجامعية اصبح لدينا نوع من اكتمال الوعي السياسي فكان هناك صراع بين التيارات الفكرية وكانت التيارات الماركسية مقابل التيارات القومية وكان المواطن حائراً، وكنا نتساءل عن رأي الفكر الإسلامي وما دوره؟ في الصف الثالث من كلية التجارة طرح أحد الزملاء سؤالاً، حول فكرة معينة؟ فاستغرب الدكتور من هذه الفكرة وسأله عن مصدر هذا الفكرة فقال انها للسيد محمد باقر الصدر في كتاب اقتصادنا، وأثارت هذه الحادثة انتباهي فرجعت الى النجف وقرأت الكتاب حدث لي تطور نوعي وتعزيز بالثقة لأن هناك فكراً اسلامياً رصيناً من الممكن أن نستنتج منه الكثير من الأفكار والأبحاث والنظريات والنظم الإسلامية التي يمكن بها مواجهة تحديات العصر، وكنت ابحث واقرأ في مجال تخصصي كل الأفكار الليبرالية والماركسية والإسلامية.

مر العراق بفترات مختلفة خلال القرن الماضي برأيك كخبير اقتصادي، هل كانت هناك منهجية محددة او مفهومة لتطوير التنمية الاقتصادية في العراق؟
العراق مر بتجارب الحكم الملكي الرأسمالي ونظام حكم مزدوج بين الرئاسي والبرلماني وكانت له نظرية وعندما جاء البعث جاء بنظام خلط فيه النظام الاشتراكي مع مفاهيم الوحدة والقومية وهي امزوجة خبيثة وذكية في آن واحد لم يستقطبوا الجماهير بالأفكار وإنما بالطمع والاغراء والترهيب والترغيب وخاضوا تجربة لونوها بالدماء، وقد أصبح لدي قناعة بأن شعاراتهم المعلنة تختلف عن نواياهم الحقيقة، فأضرب مثلا إن المصريين عندما جاؤوا للعمل بالعراق كانت هناك معلومة من أحدى هيئاتنا العاملة بالبنك المركزي أن حجم التحويلات الى مصر بمقدار 2 مليار دولار في نهاية السبعينات وكانت حجم المساعدات العربية الى مصر لا تتجاوز الـ 800 مليون دولار وفي حينها شن نظام صدام حملة شعواء على النظام المصري بسبب اتفاقية كامب ديفيد ولكن في الحقيقة ان الذي كان يقوّم النظام الاقتصادي في مصر هو التحويلات العراقية بالرغم من كل المستقدمين المصريين هم ناس غير فنيين وغير نافعين.. اذن كان الهدف المعلن والتطبيق العملي شيئاً آخر فقد كان النظام يقود العراق نحو الهاوية وقد اتضح ذلك خلال الثمانيات والتسعينات من القرن الماضي.

لديكم بحث متميز عن الاكتناز واثره على الوضع الاقتصادي والمجتمع، لو تحدثونا عن فكرة البحث؟
أما الاكتناز فهو عمل متراكم وهي ثروة للمجتمع صحيح انها يملكها شخص ولكنه هو ينفع المجتمع ولذا حرم المشرع الإسلامي الاكتناز لأن حجز الأموال وجعلها خارج العملية التنموية تؤدي الى الضرر بالواقع الاقتصادي للمجتمع، ولهذا يجب ان تكون هناك مراقبة شديدة لحركة الأموال وادارتها وهذا الأمر قد انتبهت اليه الدول الكبرى وجعلت رقابة شديدة على هذه الأموال ولها ضوابط ونظام معين، أما في الدول النامية ومنها العراق فإن رأس المال فيه مهدد بالضياع وكثير من رؤوس الأموال تخرج الى خارج البلد وتحفظ في البنوك العالمية وهذا ما يسبب استنزاف لرأس مال البلد، وأنا أشبه هذا الأمر كنهر جار وفيه جداول فرعية كثيرة طول جريانه ولهذا ففي النهاية ينتهي قبل المصب.

النشاط العلمي للاستاذ فلاح شفيع؟
اشتركت في بريطانيا في المكتبة المركزية وجامعة الدراسات الشرقية وهذه الجامعة لديها مكتبة ضخمة جدا ولديها قسم خاص للدوريات فكنت في هذه المكتبة اقرأ الكثير من الكتب الاقتصادية والفكرية والتراثية وكنت أُلخص هذه الكتب بخلاصات وبعد استمرار 5 سنوات من القراءة المتواصلة وقد تكاملت عندي الرؤيا والأفكار وبخاصة أن لدي خلفية عملية وممارسة.. وقد ألفت كتاب (استراتيجية النفط لدول المنطقة) وقد اقترحت على هذه الدول وهي العراق وايران ودول الخليج التي تحتوي على الخزين الأساسي ما يقابل 76% من الخزين العالمي وبخاصة ان الحصول على مصادر الطاقة في هذه الدول رخيصة جداً.
وهذه الدول وحدة اقتصادية واحدة ولها تاريخ مشترك ودين واحد ووحدة الهدف فكل الأمور متوفرة للتنسيق والتحاور لهذه الدول، فالعيار الأمني والسياسي والاقتصادي والصراع بين هذه الدول سيمكّن الاجنبي من استغلاله، ولم تحقق هذه الدول أي تنمية اقتصادية ما عدا ايران في الفترة الأخيرة التي أصبحت دولة منتجة ومكتفية ذاتياً.
الصين استطاعت ان تبني علاقة متميزة مع الدول المتقدمة تجارية وسياسية واستطاعوا أن يحققوا تنمية حقيقة لمواردهم فدول المنطقة من الممكن أن تخوض هذه التجربة وتوحد سياستها والتعامل مع الآخرين بما يضم المصالح المشتركة لدول المنطقة.

كيف تقيمون الواقع الاقتصادي للعراق؟
الاقتصاد العراقي من سنة 1958 انتهج نهج الاستثمار وحقق نتائج جيدة نسبياً، وبعد مجيء النظام البعثي اصبح النظام الاقتصادي رهين النظام السياسي ولم تكن هناك استراتيجية اقتصادية لتحقيق تنمية اقتصادية، وفي منتصف السبعينات حصلت طفرة نوعية في مجال اسعار النفط فأصبحت هناك رفاهية اجتماعية وليست تنمية اقتصادية نتيجة زيادة سعر البرميل ولم تحقق زيادة في الانتاج او الموارد، وكانت مشاريعه التنموية فاشلة وغير مدروسة والسياسة هي التي تحكمها.
فالعملية التنموية بالعراق مخربة اقتصادياً، والقيادات التي استملت الحكم في العراق ليس لها خبرة كافية في إدارة التنمية الاقتصادية، كل هذا أدى الى زيادة العراق خراباً واهمالاً، بعد عملية التغيير اطلقت ثورة الفوضى الخلاّقة من قبل الأمريكان فاصبح الانفاق بحجم كبير دون زيادة في الناتج الاجمالي العراقي لذا نلاحظ عامل التضخم مرتفعاً ولا يوجد هناك تنسيق بين السياسة المالية والسياسة الاقتصادية.

ما السبل للتطوير والارتقاء بواقع الاقتصاد العراقي؟
1. زيادة القدرة الانتاجية.
2. ارتفاع مستوى الأداء العام للعاملين في مؤسسات الدولة العراقية العام والخاص.
3. محاربة الفساد وليس الفساد هو الرشوة فقط بل هو تدني مستوى الأداء وأنا أرى تدني مستوى الأداء اكثر ضررا من الرشوة ويجب محاربة الفساد الى الجانب الإجرائي ووضع انظمة بديلة متطورة واعتماد آليات وأنظمة عمل أكثر كفاء.
والفساد له ابعاد سياسية واجتماعية واقتصادية وادارية يجب دراستها من خلال المفاهيم الاسلامية وتطبيق تنمية اسلامية متكاملة للارتقاء بالواقع الاقتصادي العراقي.

نشرت في الولاية العدد 97

مقالات ذات صله