الشاعر الشيخ عباس البغدادي

حيدر رزاق شمران

تميز الشاعر الشيخ عباس البغدادي بالشاعرية ورقة الأحاسيس وحسن الاسلوب الشعري الذي كان يوصف بقوة الديباجة ورصانة السبك ولقد لاقى شعره اعجابا كبيرا من قبل ادباء عصره فكان اديبا يمتاز ببساطة المفردة في صياغة الصورة الشعرية التي كان يرسمها بتلقائية وعفوية.

ولادته ونشأته:
هو الشيخ عباس بن الملا علي بن ملا ياسين النجفي البغدادي وهو عالم جليل وشاعر فاضل واديب لامع. .. ولد سنة 1242هـ وقيل سنة 1244هـ ونشأ في النجف الأشرف بعد ان هاجر والده اليها سنة1247هـ وبدأ ينهل من معارفها وعلومها منذ نعومة اظفاره.
يذكر الشيخ الخاقاني في مؤلفه شعراء الغري في جزئه الخامس صفحة 1 ما نصه : نشأ المترجم له في النجف الأشرف على ابيه فربّاه على الفضيلة والنبل وامتزج بأعلام النجف الأشرف وفقهائها فاستمد منهم اصفى العلم وانقاه واعلى الادب واسماه وتقدم في وسطه واحترم بين اصحابه واخدانه وعظم عند اساتذته كالسيد حسين بحر العلوم والشيخ حسن قفطان والشيخ ابراهيم صادق وغيرهم من آل محي الدين كالشيخ موسى والشيخ عبد الحسين ولتفوقه فقد اصبح صديقا لهم وزميلا يبادلونه المدح ويطارحونه الحديث ويختلفون إلى داره وهو بعد لم يجتز العقد الثاني من عمره.
تقدم في العلم حتى اصبح علما يشار اليه بالأكف وفي الشعر حتى صار خرّيتاً يرجع اليه في عويصه ومشكله واعترف له اعلام الادب امثال السيد صالح القزويني وعبد الباقي العمري فقد اعربت عن ذلك دواوينهم.
شهادة معاصريه:
ذكر شاعرنا صاحب الحصون في مجلده السابع صفحة 104 حيث قال: كان فاضلا كاملا اديبا لبيبا شاعرا ماهرا انتقل ابوه من بغداد الى النجف الأشرف وكان بزازا فلما نشأ ولده وترعرع احب اهل الادب والكمال والفضل فأقبل على مجالسهم ومخالطتهم وكان حسن الاخلاق والشمائل فاتصل بخدمة السيد حسين بحر العلوم فرباه وتخرج عليه وقرأ عليه جملة من العلوم العربية وعلمه كثيرا من النكت الشعرية والادبية فبرز وبلغ بالشعر.
اما الشيخ ابراهيم صادق فقد ذكره في مجموعته قائلا: ولا غرو ان فات فضلاء بني الفضل فهو ابوه او فاق بالنطق الفصل من اليه بأعترافهم نسبوه اذ هو اليوم من القت اليه الآداب فضل القياد وانقاد اليه من شوارد البلاغة بلا ارتياب كل صعب الانقياد.
علم الكمال المستقيمة به قناته والخافقة على رؤوس ذوي المهابة والجلال عذباته المالك بكريم اخلاقه ازمة قلوب الناس ابو الفضل شمس المكارم الشيخ عباس.
وذكره الشيخ النقدي في كتابه الروض النضير ص 273 ما نصه : شاعر جيد الشعر والشعور حسن الألفاظ والمعاني يجمع نظمه بين الرقة والمتانة والقوة واللطف وكان ماهرا حسن الذوق مستقيم الفهم.
اما الدكتور محمد مهدي البصير فقد ذكره في الحلقة 25 من كتابه نهضة العراق الأدبية فقال ص 202 : ويدور حديثنا في هذه الليلة حول شاعر خفيف الطبع رقيق الشعور خصب الخيال نقي الديباجة.
وفاته:
توفي الشاعر الشيخ عباس البغدادي في مدينة النجف الأشرف في اواسط شهر رمضان سنة 1276 هـ ودفن في الصحن الحيدري الشريف باتجاه باب الرواق الكبير.

يا غياثاً لكل داعٍ..
ومن قصيدة له مستغيثا فيها بأمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) اخترنا منها هذه الابيات..
ايها الخائفُ المروع قلباً                       من وباء اولى فؤادك رعبا
لذ بأمن المخوف صنو رسول                الله خير الانام عجماً وعربا
واحبس الركب في حمى خير حامٍ        حبست عنده بنو الدهر ركبا
واذا ما خشيتَ يوماً مضيقاً                  فامنحنْ حبّه تشاهدَ رحبا
واستثره على الزمان تجدهُ                  لك سلماً من بعد ما كان حربا
من به تخصب البلاد اذا ما                   امحل العام واشتكى الناس جدبا
وبه يفرجُ الكروب وهل من                  احدٌ غيره يفرّج كربا
يا غياثاً لكل داعٍ وغوثاً                       ما دعاه الصريخ الا ولبّا
وابياً يأبى لشيعته الضيم                   وانّى والليث للضيم يأبى
كيف تغضي وذي مواكب اضحتْ          مغنماً للردى وللموت نهبا
او ترضى مولاي حاشاك ترضى           ان يروع الردى لحزبك سربا
او ينال الزمان بالسوء قوماً                 اخلصتك الولا واصفتك حبّا
لستُ انحو سواه لا وعلاهُ                  ولو اني قطّعتُ ارباً فاربا
لا ولا اختشي هواناً وضيماً                  وبه قد وثقتُ بعداً وقربا
وهو حسبي من كل سوءٍ وحسبي ان اراهُ ان مسني السوء حسبا

سلاماً على وادي الغري
ومن قصيدة له يتشوق فيها لمدينته النجف الاشرف ..
سلاماً على وادي الغري على البعدِ         وان كان لا يغني السلام ولا يجدي
سلام مشوقٍ قرّح البينُ جفنه                وجرّعه صاب الصبابة بالوجد
حليف غرامٍ كلما هبت الصبا                    صبا قلبه وازداد وقداً على وقد
وان مرّ ذكر السفح ظلّت سوافحاً              سحائب جفنيه دماءً على الخدِ
تنازعه في كل حينٍ نوازعٌ من                الشوق حتى لا يميد ولا يبدي
يقلّب طرفيه اذا الليل جنّه                   كأن وكلتْ منه المحاجرُ بالسهد
ويذكر اياما تقضّت بحاجرٍ وناعم              عيشٍ راق في سالف العهد

نشرت في الولاية العدد 97

مقالات ذات صله