المسلمون وإحياء بيعة الغدير

يحتفل المسلمون من الشيعة وغيرهم كل عام بإعلان الولاية والبيعة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام مقرّين فرحين بالولاية التي أرادها الله تعالى خلافة لرسوله الأمين صلى الله عليه وآله في يوم أطلق المسلمون عليه (يوم الغدير) نسبة الى غدير خم الذي وقعت عنده البيعة. وإحياء ذكرى البيعة من قبل المسلمين في العراق له طابع خاص فتعم مظاهر البهجة والاحتفال في عموم البلاد والتي تصادف في يوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة. لذا تنقلت مجلة الولاية بين عدد من المختصين والمحتفين بهذا العيد الأغر لمعرفة سبل إحيائه من قبل المسلمين عبر التاريخ في مدن العراق ولا سيما عاصمة ولاية الحق ومركز التشيع لإمام الهدى أمير المؤمنين عليه السلام الأرض التي ضمته وتشرفت له.

مقدمات حتمية النتائج
تحدث العلامة الدكتور حسن الحكيم استاذ التاريخ عن مقدمات كان لها الاشارة والبيان الواضح على خلافة علي بن أبي طالب عليه السلام لرسول الله محمد صلى الله عليه وآله، قائلا : التأشير على الامامة من قبل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان منذ بداية البعثة فقد ورد عن النبي صلى الله عليه واله في حق علي عليه السلام (انت اخي ,انت وصي وهكذا) وفي الكثير من الاحاديث الشريفة انتقلت القضية من النظرية الى دور التطبيق العملي، والتساؤل الذي طرح بشكل ملح آنذاك والى الوقت الحاضر من بعض المشككين، كيف يتم التطبيق العملي هل بإرادة من الرسول ام بإرادة من الله؟ متجاهلين حقيقة ان النبي صلى الله عليه واله وسلم لا ينطق عن الهوى (إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى)(النجم/4) ولذلك حينما نزلت الآية الكريمة يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)(المائدة/67)، أصبح النبي صلى الله عليه وآله وسلم ملزماً على تطبيق النص، ولذلك عندما تم الاجتماع في يوم شديد الحرارة لدرجة يضع الفرد ردائه تحت قدميه كي يقيه حرارة الرمال، فبهذه الصورة نتيقن جلل وخطورة المسالة، لان فيها امر رباني وبه تمت البيعة، وما تلى البيعة (اليوم اكملت لكم دينكم) فهذه نتيجة لحدث وقع يؤكد ان الغدير نهاية النبوة وبداية الامامة، ومن هنا بدأت الامامة، هنا من هذا اليوم، وان الرسول رحل بعد شهرين ونيّف من يوم الغدير لذلك ان الامامة جاءت بهذه الصورة وقل قال البعض يقول (بخ بخ لك يا علي اصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة) ووجب على الناس تطبيق هذا الجانب، فهل طبق ام نقض وماذا حصل بعد وفاة الرسول؟
مرحلة التحول العقائدي
ان بيعة الغدير عبارة عن تحول عقائدي كبير في الفكر الاسلامي لان ختام النبوة يجب ان يتبع ببديل كفء يلبي حاجة المرحلة وضرورتها القصوى للحفاظ على الدين وبنائه، وهو بعد لم يترسخ في نفوس البعض سيما من كان من رؤوس القوم في الجاهلية، وبهذا المعنى فمن الذي سيقوم بمهمة الإمام، وهل الإمام علي عليه السلام فيه صفات الإمامة ، هذا ما تكشف عند الجميع في سيرة الإمام الوصي.
تراث يؤصل البيعة
وحول شعائر ومظاهر الإحتفاء وتجديد البيعة لولاية خليفة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله أضاف الحكيم : نحن عاصرنا إحياء يوم الغدير في السابق في مدينة النجف الاشرف واكد ان في يوم الغدير تزين فيه الشوارع والاسواق بالأقمشة الجميلة وتقام الاحتفالات على نوعين في البيوت خاصة والمساجد عامة وتلقى القصائد وتوزع الحلويات في الشوارع ومن مظاهر هذا العيد والعهد المتين نجد ان المسلم يصافح أخاه المسلم قائلا (الحمد لله الذي جعلنا متمسكين بولاية علي عليه السلام) وتعم مظاهر البهجة والسرور لتجديد الولاية للإمام علي بن ابي طالب (عليه السلام).
الروايات المتواترة حجة دامغة
وعن احقاق حق بيّن أريد طمسه كما أريد للشمس ان تطمس أشار الدكتور محمود الخفاجي استاذ الفكر الاسلامي في الجامعة الاسلامية بشكل لا يقبل اللبس قائلا : بيعة الغدير وصلت الى حد التواتر من أخبار وأحاديث وأشعار ملأت الخافقين وصلت جميعها الى حد التواتر، وكما تعلمون ان منبع دراسة الفكر الاسلامي هو القران الكريم والسنة النبوية، وان كانت السنة فيها بعض التعثرات بسبب أخذ بعض الروايات الموضوعة او الروايات المدلسة او المضافة بقصدية واضحة، ولكن علماء المسلمين اتفقوا على ان الروايات المتواترة حجة دامغة على المسلمين كافة، وان رواية الغدير وما يؤيدها من روايات اخرى في أحقية الامام علي (علية السلام) في الخلافة او الولاية او الامامة بعد الرسول صلى الله علية واله وسلم روايات متواترة معضدة بآيات قرآنية فسرت في الروايات.
عدم موضوعية المخالف للاجماع
وقد تأخذ جماعة أو مدرسة رواية آحاد شاذة في المنحى والرأي فيعتمدونها في تفسيرهم ويتركون رواية متواترة اتفق عليها ألف من الصحابة ثم التابعين ثم تابعي التابعين، فيترك الإجماع وينحى جانبا ويطعن فيه، مما يعطي مؤشرا خطيرا على عدم الموضوعية في البحث العلمي في الفكر الاسلامي الذي يعتمد على الرواية واصحاب الرواية ومنهم الكذّاب ومنهم الوضّاع ومنهم الموثوق سيما من روى حديثه عدد كبير من الصحابة، لكننا نجد عند مدرسة أهل البيت عليهم السلام ان كل الصحابة المأخوذ عنهم هذه الرواية ثقات متفق عليهم، الا ان مدرسة اخواننا السنة تعتمد على روايات الصحابة كافة مع تناقضاتهم وآثارهم ودوافعهم التي يعلمونها عنهم، فكيف وقد روى هذه الرواية اكثر من مائة وخمسين صحابياً، ومما لا شك فيه ان رواة الغدير صحابة موثوق بهم مأخوذ عنهم كسند صحيح متفق عليه، لذا ان هذا الموضوع يحتاج الى موضوعية وانصاف واذعان للحق دون غرض آخر.
وجه آخر للبيعة
وأكد الخفاجي ان مدينة النجف الاشرف تحتفل سابقا بيوم عيد الغدير يوم البيعة عبر إقامة احتفالية وعيد وفيه زيارة مخصوصة لمرقد الامام علي عليه السلام واليوم اخذت الاحتفالية طابعاً اخر وبدأت الاحتفاليات تنتشر وتتنوع بواسطة الفضائيات ووسائل الاعلام مع تطور الفعاليات الاحتفائية وتطور الطرق والوسائل إثر تحضر المجتمعات وتمكنها من ابتكار ادوات التعبير المناسبة لكل حدث مهم.
الولاية العامة على المسلمين
وتتنوع وسائل الفرح بالبيعة لولاية الحق المبين من شخص لآخر لكنها تتفق من حيث الدلالة والحق الالهي المفروض طاعته لترفع راية الاسلام عالية خفاقة فيدلي المواطن علي الخفاجي بدلوه بهذا الصدد، قائلا: عيد الغدير هو تنصيب خليفة لرسول الله بأمر من الله عز وجل والخلافة تختلف عن مفهومها المعتاد عليه ليس في الامور السياسية فقط وانما في جميع الامور أي ولاية عامة على جميع المسلمين وغير المسلمين ونحييها سابقا بإقامة المهرجانات الشعرية وكذلك الناس يأتون من المحافظات الى النجف الأشرف لإحياء عيد الغدير رغم الظروف الصعبة التي فرضها النظام المباد والان يتم احياء يوم الغدير ببيان اهمية وجود خليفة منصب بأمر الله وتزين الشوارع وتقام الاحتفالات والمهرجانات الشعرية تم تتوج بزيارة مرقد الامام علي علية السلام.
عيد التضامن والوحدة الانسانية
تحدثت لنا حنان فاضل ـ مدرسة تاريخ عن توسع ميدان الفرح والاحتفاء بإمام الإنسانية حيث اراد الله لها ان تكون، فتقول: عيد الغدير الاغر من الاعياد والمناسبات الدينية المهمة في حياة المسلمين كونهم يجددون البيعة للإمام علي بن ابي طالب عليه السلام وكنا نحيي يوم الغدير بالاحتفال في البيوت وبعد ذلك نخرج الى زيارة الامام علي عليه السلام، ومن الجدير بالذكر ان يوم الغدير اصبح يوما تحتفل به حتى الطائفة المسيحية مبايعة بذلك رمزا من رموز الانسانية المتسامحة والقيم النبيلة الفاضلة التي تدعو للأخوة والعمل الصالح دون تفريق بين الأجناس والأديان لخلق مجتمع فاضل متطور سعيد، ولا يخفى على أحد ما لهذا العيد من فضل في اتخاذه يوما لإنهاء الخلافات والخصومات بين المسلمين وهو بهذا يصبح رمزا للتآخي والتسامح يدفع للعداوة والبغضاء الى خارج حياتنا التي شحنتها الصراعات والخلافات حتى أصبحت دموية مدمرة هدامة لا يمكن العيش فيها.
عيد وحجة على الناس
وبهذا يكون مظهر احتفال عيد الغدير بيعة لله ولرسوله على ولاية أميرها إمام للمتقين العارفين بحق الله تعالى، المجبولين على طاعته وتقواه ولو كره الظالمون الضالون، ابتدأت مراسيمه عقب آخر حجة لرسول الله صلى الله عليه وآله في طريق إياب المسلمين على عين ماء يسمى غدير خم وعلى رمضاء جزيرة العرب بين آلاف الصحابة جمعهم لأمر الهي وحدث كوني وهم في مفترق طريق يهمون بالعودة كل الى موطنه وداره ولم يتركهم حتى أتم أمانته وأنزل الله عيده وصافح كل مسلم كف الوصي المختار أميرا على ولاية الاسلام، ويتكرر مشهد هذا اليوم عند كل من آمن وصدق واتبع هدى الرحمن، مبتهجين بهذا الحدث الجلل الذي يضمن بقاء الدين وكماله دون انحراف او ضلالة ليعطي للإنسانية حقها في حياة سعيدة آمنة يسودها العدل والاحسان ويغمرها حب الخير في تقوى من الله ورضى، وها نحن اليوم نرى ونسمع جموع المحتفلين بعيد الغدير الأغر يحيطون بالمرقد المقدس لأميرهم وهم يجددون ككل عام وفي مثل هذا اليوم، البيعة لسيدهم وامامهم وأميرهم، معلنين الولاء للحق فيما أمر الله ورسوله خير البرية خاتم النبيين

نشرت في الولاية العدد 98

مقالات ذات صله