اشراقة النور

هشام أموري ناجي

في مكة التي كرمها فاطر كل شيء، حيث جعل فيها كعبة يطوف حولها الناس وجعلها عنوانا ورمزا للتوحيد والعبادة الخالصة لوجهه المنزهة عن الالحاد والشرك به جل شأنه، في اجوائها الربانية وفي يوم الجمعة المبارك عند طلوع الفجر في يوم السابع عشر من شهر ربيع الاول وفي عام وقع فيه حادث جلل حيث قدم ابرهة الحبشي الى مكة قاصدا هدم بيتها المقدس ومحو اثاره، وفيه كانت المعجزة من رب البيت، بحفظه حيث هزم الجيش الاثم بجيش من السماء (وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ) {الفيل/3-5}..

بعد شهرٍ او شهرين من هلاك اصحاب الفيل، اشرق النور الموعود به الناس من عالم الغيب واستاره الى عالم الشهود والعيان، وجاءت البشرى لجد النبي عبد المطلب حين ارسلت اليه آمنة تنبئه وتهنئه مباركة بوليد الانسانية الاطهر والاكمل، فسر جد البشر وجاء اليها وهو يدعو الله ويشكر عطيته وانشأ يقول:
الحمد لله الــــــــذي اعطانـــــي
هذا الغلام الطيب الاردان
قد ساد في المهد على الغلمان
اعيذه بالبيت ذي الاركان
حتى اراه مبلــــــغ الفتيـــــــــــــان
اعيذه مــــن كل ذي شنآن
حتـى يكون بلغة الغضيــــــان
من حاسد مضطرب العنان
ولد في دار ابيه عبد الله التي وهبها رسول الله بعد ذلك لعقيل بن ابي طالب ولما توفي عقيل باعها ولده، ثم جعلت مسجدا يصلي فيه ايام العباسيين وهو معروف الى وقت قريب، والمسلمون يصلون فيه ويتبركون به ويزورونه الى ان سيطر الوهابيون على مكة والمدينة فقاموا بهدم اثار النبوة والرسالة ومنعوا الناس من زيارته.
ولد سيد الخلق فجاءت الكرامات معه واشارة من الباري جل وعلا لعظيم صنعه وكريم عطيته فيه صلى الله عليه واله ومنحه هباته وسجاياه الكريمة النبيلة.
روى ان السيّدة آمنة: لمّا قربت ولادة رسول الله(صلى الله عليه وآله) قالت رأيت جناح طائر أبيض قد مسح على فؤادي، فذهب الرعب عنّي، وأتيت بشربة بيضاء وكنت عطشى فشربتها، فأصابني نور عال.
ثمّ رأيت نسوة كالنخل طوالاً تحدّثني، وسمعت كلاماً لا يشبه كلام الآدميين، حتّى رأيت كالديباج الأبيض قد ملأ بين السماء والأرض، وقائل يقول: خذوه من أعزّ الناس..
ورأيت رجالا وقوفا في الهواء بأيديهم أباريق ورأيت مشارق الأرض ومغاربها، ورأيت علما من سندس على قضيب من ياقوتة قد ضرب بين السماء والأرض في ظهر الكعبة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله رافعا إصبعه إلى السماء.
ورأيت سحابة بيضاء تنزل من السماء حتى غشيته، فسمعت نداء: طوفوا بمحمد شرق الأرض وغربها والبحار، لتعرفوه باسمه ونعته وصورته، ثم انجلت عنه الغمامة فإذا أنا به في ثوب أبيض من اللبن، وتحته حريرة خضراء وقد قبض على ثلاثة مفاتيح من اللؤلؤ الرطب وقائل يقول : قبض محمد على مفاتيح النصرة والريح والنبوة.
ثم أقبلت سحابة أخرى فغيبته عن وجهي أطول من المرة الأولى وسمعت نداء: طوفوا بمحمد الشرق والغرب واعرضوه على روحاني الجن والإنس والطير والسباع وأعطوه صفاء آدم ورقة نوح وخلة إبراهيم، ولسان إسماعيل، وكمال يوسف، وبشرى يعقوب، وصوت داود، وزهد يحيى وكرم عيسى عليهم السلام.
ثم انكشف عنه فإذا أنا به وبيده حريرة بيضاء قد طويت طيا شديدا وقد قبض عليها وقائل يقول: قد قبض محمد على الدنيا كلها فلم يبق شيء إلا حل في قبضته.
ثم إن ثلاثة نفر كأن الشمس تطلع من وجوههم في يد أحدهم إبريق فضة ونافحة مسك وفي يد الثاني طست من زمردة خضراء لها أربع جوانب من كل جانب لؤلؤة بيضاء وقائل يقول: هذه الدنيا فاقبض عليها يا حبيب الله فقبض على وسطها وقائل يقول: اقبض الكعبة، وفي يد الثالث حريرة بيضاء مطوية فنشرها، فأخرج منها خاتما تحار أبصار الناظرين فيه فغسل بذلك الماء من الإبريق سبع مرات ثم ضرب الخاتم على كتفيه، وتفل في فيه فاستنطقه، فنطق فلم أفهم ما قال إلا أنه قال: في أمان الله وحفظه وكلائته قد حشوت قلبك ايمانا وعلما ويقينا وعقلا وشجاعة، أنت خير البشر، طوبى لمن اتبعك وويل لمن تخلف عنك، ثم ادخل بين أجنحتهم ساعة وكان الفاعل به هذا رضوان ثم انصرف وجعل يلتفت إليه ويقول: ابشر بعز الدنيا والآخرة.
وقالت آمنة عليها السلام: إن بني والله سقط فاتقى الارض بيده، ثم رفع رأسه إلى السماء فنظر إليها، ثم خرج مني نور أضاء له كل شيء، وسمعت في الضوء قائلا يقول: إنك قد ولدت سيد الناس فسميه محمدا صلى الله عليه واله، وفرح بمولده اهل السماء والارض وفيه رميت الشياطين بالنجوم، وقالت قريش: هذا قيام الساعة الذي كنا نسمع اهل الكتب يذكرونه!
وانكبت الاصنام كلها على وجوهها صبيحة مولده صلى الله عليه واله وارتج ايوان كسرى وسقطت منه اربع عشرة شرفة، وغاصت بحيرة ساوه، وفاض وادي السماوة، وخمدت نيران فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، وانتشر في تلك الليلة نور من قبل الحجاز حتى بلغ المشرق ولم يبق سرير لملك من ملوك الدنيا الا اصبح منكوسا، والملك مخرسا لا يتلكم يومه ذلك، وانتزع علم الكهنة، وبطل سحر السحرة وفي يوم مولده صلى الله عليه واله صاح ابليس لعنه الله في أبالسته فاجتمعوا إليه، فقالوا: ما الذي أفزعك يا سيدنا؟
فقال لهم: ويلكم لقد أنكرت السماء والارض منذ الليلة، لقد حدث في الارض حدث عظيم ما حدث مثله منذ رفع عيسى بن مريم عليه السلام، فاخرجوا وانظروا ما هذا الحدث الذي قد حدث؟
فافترقوا ثم اجتمعوا إليه فقالوا: ما وجدنا شيئا، فقال إبليس لعنه الله: أنا لهذا الامر، ثم انغمس في الدنيا فجالها حتى انتهى إلى الحرم، فوجد الحرم محفوظا بالملائكة، فذهب ليدخل فصاحوا به، فرجع، ثم صار مثل الصِّر – وهو العصفور فدخل من قبل حرى، فقال له جبرئيل: وراك لعنك الله، فقال له: حرف أسألك عنه يا جبرئيل، ما هذا الحديث الذي حدث منذ الليلة في الارض؟ فقال له: ولد محمد صلى الله عليه واله، فقال له: هل لي فيه نصيب؟ قال: لا، قال: ففي امته؟ قال: نعم، قال: رضيت.
ثم انه الانسان الكامل في كل فضيلة انه بشارة الانبياء وخاتمهم ورسالته خاتمة الرسالات انه ممدوح السماء ذو الخلق العظيم انه سيد الاولين والاخرين انه صنع الله وصورته وابداعه:
وأَحسنُ منكَ لم ترَ قطُّ عيني
وَأجْمَلُ مِنْـــــكَ لَمْ تَلِدِ النّسَاءُ
ولدت مبرء منْ كــــــــــلّ عيبٍ
كأنكَ قدْ خلقتَ كما تشاءُ
اللهم صل على نبيك محمد واله كما اصطفيته خير خلقك وانبياءك وبلغه منا سلاما.

نشرت في الولاية العدد 100

مقالات ذات صله