أنواع تفسير القرآن بالقرآن

الشيخ جميل البزوني

إن منهج تفسير القرآن بالقرآن له أنواع متعددة ومن المهم جداً الإلمام بها من قبل المفسرين من أجل التوصل إلى أقرب الدلالات للنص القرآني، وسوف نشير إلى أهم تلك الأنواع مع التمثيل لكل واحد منها:

أ- إرجاع المتشابهات إلى المحكمات:
تعدُّ الآيات المحكمة مرجعاً للمفسر لتوضيح المتشابهات من الآيات القرآنية، وذلك لكثرة الاحتمالات المتوقعة منها ومثالها الآيات الدالة على التجسيم، وكذا التي تشتمل على أوصاف غير محتملة في حق الله إذا فسرت على ظاهرها، كما سيأتي.
ب- الجمع بين الآيات المطلقة والمقيدة:
إن بعض الآيات قد جاءت مطلقة بينما نجد إن آيات أخرى تكون مقيدة ومن المهم جداً عند تفسير الآيات الأولى من الرجوع إلى الثانية لأنها مفسرة من قبيل قوله تعالى: ( وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ) فإنها مطلقة بينما لا يكون الأمر كذلك في آيات أخرى من قبيل قوله تعالى 🙁 أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ)، وغيرها من الآيات، كما سيأتي.
ت- الجمع بين العام والخاص:
من قبيل الآيات التي احتوت على أدوات العموم مثل (كل)، فيما كانت آيات أخرى تشتمل على ما يخصص تلك الآيات وبالتالي تكون الثانية مفسرة للأولى، وذلك من قبيل قوله تعالى: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ)، فهي عامة لا تخصيص فيها، بينما استثنيت بعض النساء من ذلك كما في قوله تعالى: (وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَ …)، وسيأتي أيضا ً
ث- توضيح الآيات المجملة بواسطة الآيات المبينة:
ورد في القرآن آيات اتصفت بعدم التفصيل فكان ذلك سبباً في إجمال النص القرآني وبالتالي لن يتضح المقصود منه إلا بالرجوع الآيات المفصلة وتسمى الأولى المجملة بينما تسمى الثانية بالمبينة وأمثلتها كثيرة منها: (…أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ)، وقال في آية أخرى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ و…)، ومن الواضح الآية الثانية تكون مفسرة لإجمال الآية الأولى وسيأتي المزيد منها.
ج- تعيين مصداق الآية بواسطة الآيات الأخرى:
تكون في بعض الأحيان الآيات القرآنية خالية من ذكر المصاديق التي تنطبق عليها فيما تكون آيات أخرى مشتملة عليها، ولا بد من أجل تفسير الخالية من المصاديق بصورة سليمة أن نجمع بينهما، ومن أمثلة ذلك: قال تعالى في سورة الفاتحة (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ…) ويقول في آية أخرى (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا)، ويتبين من خلال المقابلة بين الآيتين إن مصداق الآية الأولى هو ما ذكر في الآية الثانية.
ح- الاستفادة من سياق الآيات:
والمقصود بالسياق هو ذلك الارتباط الحاصل بين الألفاظ أو العبارات أو الجمل الناتج بسبب الاقتران الواقع بينها (ويعد اتصال الكلام وارتباطه واعتماد قرينة السياق على فهم كلام الأفراد من الأصول العقلائية المعتمدة في جميع اللغات…
والسياق له عدة أقسام: فربما يكون السياق سياق كلمات أو سياق جمل أو سياق آيات وسنوضح ذلك بأمثلة:
المثال الأول: كلمة الدين في الآية (مالك يوم الدين) تعني الجزاء ويعرف هذا من خلال إضافة (مالك) إلى (الدين) أي استفدنا ذلك من سياق الكلمات في حين جاء لفظ (الدين) في آيات أخرى بمعنى الشريعة لان هذا هو مقتضى سياق تلك الآيات.
المثال الثاني: قال تعالى: (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الْأَثِيمِ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ)، وقد جاء نهاية هذه الآيات (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ)، فإذا أخذنا بظاهر الآية دون الالتفات إلى سياق الآيات المتقدمة لفهم منه أن الله سبحانه وتعالى يخاطب شخصاً محترماً وعزيزاً، أما إذا أخذنا بنظر الاعتبار الآيات المتقدمة فسوف يتبين إن هذا الشخص (الذي اعتبر عزيزاً كريماً في الآية) ما هو إلا ذليل حقير.
المثال الثالث: قال تعالى: (لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ)، وللمفسرين رأيان في هذه الآية:
عدَّ بعض المفسرين إن معنى اللهو في هذه الآية هو المرأة والولد وهي إشارة إلى نفي عقائد المسيحيين الذين يعتقدون إن لله زوجة وولداً.
والمجموعة الأخرى ذهبت إلى إن معنى اللهو هو التسلي، أو الأهداف غير المعقولة وعلى هذا يكون معنى الآية إن هدف الخالق ليس هو التسلي. وقد تمسك أصحاب الرأي الثاني بالسياق لرد الرأي الأول لأن ارتباط الآيات أعلاه سينقطع بالآيات السابقة، إضافة إلى إن كلمة (اللهو) إذا جاءت بعد كلمة (اللعب) فتعني التسلي وليس المرأة والولد.
وقد استفاد العلامة الطباطبائي من هذه الطريقة في تفسير القرآن بالقرآن واستدل بمفهوم السياق في كثير من الموارد في تفسير الميزان.
خ- رفع الاختلاف الظاهري بين الآيات المختلفة:
هناك بعض الآيات التي يبدو إنها بحسب الظاهر متعارضة ولكن بعد الاستفادة من هذه الطريقة يمكن رفع ذلك التوهم مثال ذلك ( ذكر القران الكريم مسألة تعرض الكافرين للسؤال يوم القيامة فقال: (وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) ، وقد جاء في مورد آخر (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ) ، فالظاهر من الآيات التعارض فيما بينها، ولكن فيها نفهم إن يوم القيامة له مواقف متعددة يتعرض الإنسان في بعضها إلى السؤال دون البعض الآخر , أو انه لا يسأل سؤالا ًتحقيقيا ًوإنما يسأل من أجل التوبيخ فقط , لأن الأمور يوم القيامة ستكون واضحة). هذه هي أهم الأنواع لهذه الطريقة من قبيل الأنواع الخاصة بالجمع بين الآيات الناسخة والمنسوخة، أو تحديد بعض معاني الاصطلاحات القرآنية بالاستعانة بأخرى، أو بيان القصص القرآني، أو تحديد كلمة بأية أخرى، أو التفسير الموضوعي للقرآن ويقول بعض الباحثين أن هناك أنواعاً أخرى ولكن يمكن تداخل بعض من هذه الأنواع مع البعض الآخر.

نشرت في الولاية العدد 100

مقالات ذات صله