نصائح وتوجيهات للمقاتلين في ساحات الجهاد

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين..
1- كونوا لمن قِبَلكم من الناس حماة ناصحين حتى يأمنوا جانبكم ويعينوكم على عدوّكم، بل أعينوا ضعفاءهم ما استطعتم، فإنّهم إخوانكم وأهاليكم، واشفقوا عليهم فيما تشفقون في مثله على ذويكم، واعلموا أنّكم بعين الله سبحانه، يحصي أفعالكم ويعلم نياتكم ويختبر احوالكم.
2ـ ولا يفوتنكم الاهتمام بصلواتكم المفروضة، فما وفد امرئٌ على الله سبحانه بعمل يكون خيراً من الصلاة، وإنّ الصلاة لهي الأدب الذي يتأدّب الانسان مع خالقه والتحية التي يؤديها تجاهه، وهي دعامة الدين ومناط قبول الأعمال، وقد خففها الله سبحانه بحسب مقتضيات الخوف والقتال، حتى قد يكتفى في حال الانشغال في طول الوقت بالقتال بالتكـبيرة عن كل ركـعة ولو لم يكن المرء مسـتقبلاً للقبلة كما قال عزّ من قائل: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين ، فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً، فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علّمكم ما لم تكونوا تعلمون).
على أنه سبحانه وتعالى أمر المؤمنين بأن يأخذوا حذرهم وأسلحتهم ولا يجتمعوا للصلاة جميعاً بل يتناوبوا فيها حيطةً لهم.
وقد ورد في سيرة أمير المؤمنين وصيته بالصلاة لأصحابه، وفي الخبر المعتبر عن أبي جعفر الباقر ( عليه السلام ) قال في صلاة الخوف عند المطاردة والمناوشة: (يصلّي كل إنسان منهم بالإيماء حيث كان وجهه وإن كانت المسايفة والمعانقة وتلاحم القتال، فإنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) صلى ليلة صفّين ـ وهي ليلة الهرير ـ لم تكن صلاتهم الظهر والعصر والمغرب والعشاء ـ عند وقت كل صلاة ـ إلاّ التكبير والتهليل والتسبيح والتحميد والدعاء، فكانت تلك صلاتهم، لم يأمرهم بإعادة الصلاة).
3 ـ واستعينوا على أنفسكم بكثرة ذكر الله سبحانه وتلاوة كتابه واذكروا لقاءكم به ومنقلبكم اليه، كما كان عليه أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقد ورد انه بلغ من محافظته على وِرده أنه يُبسط له نطعٌ بين الصفين ليلة الهرير فيصلّي عليه وِرده، والسهام تقع بين يديه وتمر على صماخيه يميناً وشمالاً فلا يرتاع لذلك، ولا يقوم حتى يفرغ من وظيفته.
4 ـ واحرصوا أعانكم الله على أن تعملوا بخُلُق النبي وأهل بيته (صلوات الله عليهم) مع الآخرين في الحرب والسلم جميعاً، حتّى تكونوا للإسلام زيناً ولقيمه مَثَلاً ،فإنّ هذا الدين بُنِيَ على ضياء الفطرة وشهادة العقل ورجاحة الأخلاق، ويكفي منبّهاً على ذلك أنه رفع راية التعقل والأخلاق الفاضلة، فهو يرتكز في أصوله على الدعوة إلى التأمل والتفكير في أبعاد هذه الحياة وآفاقها ثم الاعتبار بها والعمل بموجبها كما يرتكز في نظامه التشريعي على إثارة دفائن العقول وقواعد الفطرة، قال الله تعالى: (ونفس وما سوّاها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكّاها وقد خاب من دسّاها) وقال أمير المؤمنين (ع): ( فبعث ـ الله ـ فيهم رسله وواتر انبياءه اليهم ليستأدوهم ميثاق فطرته ويذكّرهم منسيّ نعمته ويحتجوا عليهم بالتبليغ ويثيروا لهم دفائن العقول)، ولو تفقّه أهل الإسلام وعملوا بتعاليمه لظهرت لهم البركات وعمّ ضياؤها في الآفاق، وإياكم والتشبّث ببعض ما تشابه من الاحداث والنصوص فإنّها لو ردّت إلى الذين يستنبطونه من أهل العلم ــ كما أمر الله سبحانه ــ لعلموا سبيلها ومغزاها.
5 ـ وإيّاكم والتسرّع في مواقع الحذر فتلقوا بأنفسكم إلى التهلكة، فإنّ أكثر ما يراهن عليه عدوّكم هو استرسالكم في مواقع الحذر بغير تروٍّ واندفاعكم من غير تحوّط ومهنيّة، واهتموا بتنظيم صفوفكم والتنسيق بين خطواتكم، ولا تتعجّلوا في خطوة ٍ قبل إنضاجها وإحكامها وتوفير ادواتها و مقتضياتها وضمان الثبات عليها والتمسك بنتائجها، قال سبحانه : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُوا جَمِيعًا)، وقال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ)، وكونوا أشدّاء فوق ما تجدونه من أعدائكم فإنكم أولى بالحق منهم، وإن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون، اللهم إلا رجاءً مدخولاً وأماني كاذبة واوهاماً زائفة كسرابٍ بقيعةٍ يحسبه الظمآن ماءً، حجبتهم الشبهات بظلمـائها وعميت بصائرهم بأوهامها.
6ـ هذا وينبغي لمن قِبَلكم من الناس ممّن يتترس بهم عدوّكم أن يكونوا ناصحين لحماتهم يقدّرون تضحياتهم ويبعدون الأذى عنهم ولا يثيرون الظنة بأنفسهم ، فإنّ الله سبحانه لم يجعل لأحدٍ على آخر حقّاً إلاّ وجعل لذاك عليه حقّاً مثله، فلكلّ ٍ مثل ما عليه بالمعروف.
واعلموا أنكم لا تجدون أنصح من بعضكم لبعض إذا تصافيتم واجتمعتم فيما بينكم بالمعروف حتى وان اقتضى الصفح والتجاوز عن بعض الأخطاء بل الخطايا وإن كانت جليلة، فمن ظّن غريباً أنصح له من أهله وعشيرته وأهل بلده ووالاه من دونهم فقد توهّم ، ومن جرّب من الأمور ما جُرّبت من قبل أوجبت له الندامة. وليعلم أن البادئ بالصفح له من الاجر مع أجر صفحه أجر كل ما يتبعه من صفح وخير وسداد، ولن يضيع ذلك عند الله سبحانه، بل يوفيه إيّاه عند الحاجة إليه في ظلمات البرزخ وعرصات القيامة. ومن أعان حامياً من حماة المسلمين أو خلفه في أهله وأعانه على أمر عائلته كان له من الأجر مثل أجر من جاهد.

نشرت في الولاية العدد 100

مقالات ذات صله