الفضائيات العراقية.. بين التسطيح والتسويق

هشام كمون

شهد العالم في الآونة الأخيرة تطوراً تكنولوجياً في مجال الاتصال والإعلام الذي جعل العالم عبارة عن قرية صغيرة باستطاعة أي مواطن فيها أن يطلع على أحداث و أخبار الشرق والغرب بعد لحظات من وقوعها، فالتقدم الذي طرأ على وسائل الاعلام المختلفة تسببت في بروز وسيلة (كالإعلام المرئي) وركود اخرى او إغلاقها (كالإعلام المقروء) التي باتت ترهق القارئ عند متابعته للأخبار اليومية حسب خبراء في مجال الاعلام.

في وقتٍ ما كانت الجماهير تعتمد على الصحيفة والمذياع كوسيلة اعلامية لنقل الإخبار والاطلاع على أحداث العالم كونها مصدراً من مصادر التواصل مع العالم الخارجي إضافة إلى ذلك إن بعضاً من المثقفين كانوا يجدون ضالتهم في القراءة ومتابعة النصوص الأدبية في الصحف والكتب والمجلات والبرامج التثقيفية والتعليمية عبر المذياع لفترة طويلة من الزمن, إلا أن هذه الوسائل تراجعت والسبب كان وراء ذلك ظهور الشاشة الصغيرة أو ما يعرف بالتلفاز الذي احدث طفرة إعلامية في منتصف القرن الماضي .

العصر الذهبي للشاشة الصغيرة
بعد ابتكار جهاز التلفاز وانتشاره في خمسينيات القرن الماضي تربع هذا الجهاز في المرتبة الأولى ولعشرات السنين من بين وسائل الاعلام الأخرى المختلفة – المقروءة و المسموعة ـــ وذلك عن طريق ميزات مكنته من ان يكون بموقع متقدم وفعال ومهم لدى المشاهدين فمن خلاله يستطيع القائمون عليه ان يقدموا صوراً – متحركة – للأحداث المختلفة في العالم وفي اماكن متعددة بالوقت نفس، وقدرته للوصول إلى ملايين المشاهدين من خلال بث البرامج المتنوعة وعلى فئات عمرية مختلفة للعائلة الواحدة، كل هذه الميزات وغيرها جعلت المشاهدين تنحاز للتلفاز وتنشد إليه، غير أن فئة قليلة من طبقات المجتمع(الكلاسيكية او النخبوية) بقيت محافظة على ارثها في تحصيل المعلومات الخبرية والتثقيفية من الصحف والمذياع وقراءة الكتب والمجلات الدورية التي تصدرها المؤسسات الثقافية والاعلامية.

التلفاز مساوئ ومحاسن
ان اي تطور يرافقه نتائج ايجابية وسلبية فقد رافق ظهور الشاشة الصغيرة العديد من السلبيات التي وصفها مختصون في مجال الاعلام بالخطيرة على وعي بعض المشاهدين وتغير سلوكهم وثقافاتهم الى منحى اخر لم يكن موجوداً بين مجتمعاتنا التي غلبت عليها العلاقات الودية والفطرة الاخلاقية، ولكن استُغل هذا الجهاز من قبل بعض المؤسسات العالمية والاقليمية لزج الافكار الملوثة والعقليات المنحرفة عن طريق البرامج والافلام والمسلسلات وغيرها لتزرعها في اجيال قادمة محملة بعقائد وسلوكيات غريبة لم نكن نسمع بها من قبل وقد بدت اثارها تظهر على سلوك الفتية والشباب وحتى الاطفال من كلا الجنسين من خلال ارتكابهم للجرائم وممارسة الرذيلة وغيرها من الافعال التي تتشابه في تنفيذها الى ما يظهر من على شاشة التلفاز وخاصة في المسلسلات المدبلجة والافلام الكارتونية للأطفال.. وغيرها من البرامج.
أما فوائد مشاهدة التلفاز التي عدها مختصون في مجال الاعلام بالإيجابية فهو واحد من الوسائل التي تنمي ثقافة الفرد من خلال البرامج التخصصية في القنوات التعليمية، اضافة الى المهمة الرئيسة في نقل الاخبار والاحداث السياسية والاقتصادية وكل ما يدور في العالم من كوارث وتكنولوجيا واخبار الطب والصناعة والدعاية والاعلانات… وغيرها كثير من الرسائل لا تعد ولا تحصى التي يتلقاها المشاهد وتنعكس على سلوكه اليومي وربما يطبق منها الايجابية من خلال المحاضرات الدينية والتربوية والتنموية.

الاهتمام بالرسائل الاعلامية
بما ان برامج التلفاز لها التأثير الكبير على حياة الفرد من الناحيتين الإيجابية والسلبية كما ذكر سابقاً وتنعكس على افكاره من خلال ما تبث المحطات المغرضة للملايين من الرسائل اليومية التي حرفت افكار مجتمعنا عبر عشرات البرامج من خلال تسويقها لثقافات غربية مخلة بالأخلاق والتعاليم الاسلامية الى داخل بيوتاتنا بعد ما كانت تغلبها صفة الفطرة الحميدة والتقاليد الطيبة، لذلك كان من المفترض على مؤسساتنا الاسلامية والثقافية والاعلامية ان تستغل الفرصة المتاحة لأنشاء فضائية هادفة بعيدة عن التجاذبات والتناحر لتكون بديلة عن هذه الفضائيات المغرضة تبث من خلاله برامج تقترب من متطلبات جمهورها بدل من ان توجهها لنفسها عن طريق بث كم هائل من اللقاءات والندوات والدعاية لشخص كونه مسؤولاً عن هذه المحطة أو تلك.. وبالتالي يذهب المشاهدون الى محطات اخرى ونضع اللوم عليهم في متابعة هذه القنوات.

فضائيات ولكن
تسابقت العديد من المؤسسات المختلفة ذات التوجه الديني والسياسي الى انشاء الفضائيات وبخاصة بعد عام 2003، تطلع المواطن الى هذه الفضائيات خيراً بعد ان كان مجبراً على مشاهدة فضائية واحدة وشخصية واحدة ولعقود ثلاثة، ولكن تراجع طموح المواطنين واصابتهم خيبة امل كون الفضائيات تأسست لتكون نداً لفضائية اخرى افتتحت لتروج لطرف سياسي او ديني اخر والمتلقي العراقي بين هذه الرسالة وتلك اصبح عبارة عن شخص مشحون بالطائفية والحزبية والقومية مشتت الافكار وبدل من تلعن الزمن السابق على سوء الاداء و سوء الادارة للإعلام رجع المواطن العراقي ليفتش عن ارشيف الماضي ليجد ما يرضيه من دراما الماضي والبرامج الرياضية والعلمية و برامج الاطفال واضعاً جميع هذه الفضائيات وما تنفقه سنوياً من اموالٍ تقدر بالمليارات في سلة المهملات.
هذه المحطة او تلك ولو درست مؤسساتنا توجهات الشارع وما يحتاجه من برامج ومسلسلات وقدمت البديل الناجح المدروس لاستطاعت ان تكون رقماً مهما من بين الكم الهائل من الفضائيات غير المجدية التي لا تتعدى الا ان تكون رقما في القمر الصناعي واجهزة الستالايت لأنها لا تقدم سوى ما يروق للقائمين عليها من برامج بعيدة عن متطلبات ورغبت الجمهور وبالتالي يضطر المشاهد ان يضعها في سلة المهملات.

نشرت في الولاية العدد 100

مقالات ذات صله