العدالة بين النساء

الشيخ محمد رضا الدجيلي

قال تعالى في كتابه الكريم (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ.. وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا) (النساء 129).

إن تعدد الزوجات ليس بالأمر الجديد، فقد كان معروفاً عند أغلب الحضارات السابقة، ففي الجاهلية، كان الرجل يتزوج ما شاء من النساء؛ بدون قيود أو شروط، وعند بزوغ نور الإسلام أيّد تعدد الزوجات، ولكنه قيده وقننه ضمن قواعد وشروط، ولا شك ولا ريب أن الله تعالى لم يترك الرجل المتعدد للزوجات على هواه، بل أوجب عليه قيودا وواجبات مضافة على من تزوج بواحدة، وأهم تلك الواجبات هي العدالة بين زوجاته، فبتركها تحصل الفوضى والإثم وتنقطع أواصر المحبة والألفة بين الزوج ونسائه، فتتشتت العوائل والأُسر من جرّاء ذلك، التي سعى الإسلام لإقامتها وحفظها بتشريع التعدد، فيجب العدالة والمساواة بالإنفاق والإيواء وغيرها مما يجب فيه العدالة.

ما المقصود بالعدالة
أباح الله سبحانه وتعالى التعدُّد لحكمة؛ وقنَّنه لحكمة، وجعل العدل أساساً لتعدد الزوجات، فقد جاء في محكم كتابه: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً)(النساء 3)، فالأصل في الزواج هو التّعدد مع العدالة؛ والاستثناء هو الزواج بواحدة، وقوله سبحانه (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ)(النساء 129) فهنا سؤال يُطرح ما المقصود من العدالة بين الزوجات؟ أهي العدالة في الجوانب المادية كالمقاربة وتوفير وسائل العيش وتحقيق الرفاهية ومتطلبات المعيشة؟ أم المراد هي العدالة في نطاق القلب والعواطف والأحاسيس الإنسانية؟ لا شك أن مراعاة العدالة في الميل القلبي من حب ورغبة شيء خارج عن نطاق القدرة البشرية، فمن ذا الذي يستطيع أن يضبط حبه من جميع الجوانب، ويعطيه الحجم الذي يريد، والحال أن موجباته وعوامله خارجة عن نطاق القدرة والإرادة؟ ولهذا لم يوجب سبحانه وتعالى مراعاة لمثل هذه العدالة، حيث قال تعالى في الآية الكريمة: (ولن تستطيعوا أن تعدلوا)، أي لا يمكنكم أن تعدلوا بين الزوجات في الحب والمودة مهما حاولتم، ولا يوجب تفضيل بعض الزوجات بعضهنّ على الأخرى، بل جزَمَ الله تعالى بعدم قدرة الرجل على العدل بين نسائه، من هذه الناحية، إذن نستشف من ذلك أنّ العدالة في الآية الكريمة هي العدالة المادية في الإنفاق من مأكل ومشرب ومسكن وملبس، فلا يميّز بينهنّ في الأمور المادية المتعارف عليها وإن فعل ذلك فهو من الظالمين وقد نهى الله عزوجل عن ذلك في مواطن كثيرة.

النموذج القدوة
كان رسول الله (صلى الله عليه واله) في حياته الشريفة النموذج السامي والقدوة العليا في تطبيق مبادئ الاسلام وقوانين السماء ففي بيته عمل الحبيب المصطفى على تطبيق مبادئ العدالة بين نسائه في ما يخص النفقة والكسوة، والمبيت، ولم يذكر عنه او ينقل انه فضل زوجة على اخرى بما يخص الشروط و الحدود التي وضعتها الشريعة الإسلامية.
والانسان المؤمن ليس له نموذج يمكن الاحتذاء به في قضية العدالة وغيرها غير النبي واله الكرام فانهم سلام الله عليهم كانوا القدوة الحسنة للمسلمين على مستوى الانضباط الأخلاقي في جميع الأمور ومنها قضية وكيفية التعامل مع النساء، وعند التأمل في سيرة النبي واهل بيته عليهم السلام في هذه المسالة نجد التطبيق الكامل لأدب القرآن في إعطاء الحقوق للنساء في أكثر من جانب من جوانب الحياة ومن الواضح أن النبي والائمة (صلوات الله عليهم) لم يتزوجوا فعلا من نساء كن على مستوى المسؤولية الكاملة للعيش والتعامل مع المعصوم ومع ذلك اعطى المعصوم (النبي واهل بيته صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين) مثالا رائعا في الحفاظ على الاسرة حتى مع وجود عدم الانسجام الكامل بينهم وبين النساء لكنهم كانوا محافظين على الخلق الإسلامي مع الجميع، ومن الطبيعي ان يكون تعاملهم مع النساء في قضية العدالة هو التصرف الذي يقتدي به كل انسان مؤمن.
وقد صرحت بعض نساء النبي (صلى الله عليه واله) عن خلقه مع النساء فقالت : كان خلقه القرآن وهذا التعبير المختصر يجتمع فيه من المعاني الكثير حيث يوصف خلقه عليه الصلاة والسلام ويشبّه بخلق القران وهذا أجمل ما يمكن أن يوصف به الإنسان لاسيما وأنّ القرآن الكريم نزل على قلبه الشريف.

نشرت في الولاية العدد 101

مقالات ذات صله