دراسة الأجناس الأدبية في النقد المقارن

د. علي مجيد البديري

تعرف الأجناس الأدبية بأنها القوالب الفنية التي تكتب النصوص الأدبية المختلفة في ضوء اشتراطاتها ومفردات بنائها الخاصة، فالشعر على سبيل المثال يرتكز إلى عناصر بنائية خاصة به تميزه عن غيره من الأنواع، ومنها: الوزن (الموسيقى الشعرية)، والصورة، واللغة، على اختلاف الأشكال الشعرية وكذا الأمر مع المسرحية التي تتميز بكون الحوار والمكان والزمان والشخصية وغيرها عناصر خاصة بها، وفي ضوء ذلك تصنف النصوص الأدبية وتجنّس. 

التداخل الفني بين الأجناس
ويجب على دارس هذه النصوص في ضوء مناهج النقد المقارن أن تكون لديه معرفة دقيقة بخصائص الأجناس الفنية ومزاياها النوعية الفارقة، لكي يتمكن قبل كل شيء من تحديد الجنس الأدبي الذي ينتمي إليه النص أو النصوص المراد دراستها، ويتطلب الأمر متابعة دؤوبة من الباحث لما يستجد في هذا المجال من ظواهر فنية أو أشكال إبداعية، مثال ذلك التداخل الفني الحاصل ما بين الأجناس الأدبية المختلفة، إذ أفاد الشعر مثلاً من تقنيات السرد والدراما والسينما والفن التشكيلي وغيرها في تطوير القصيدة، وكذا الأمر مع السرد في تطوير لغته و تقنياته، أو ظهور ما سمي بـ(النص المفتوح) الذي يحمل خصائص مشتركة هجينة لا يمكن في ضوئها وضْعُ هذا النص تحت مظلة جنس أدبي محدد .
ومن أمثلة هذا المجال دراسة وفود الفن القصصي الغربي على أدبنا العربي، أو دراسة ظروف استقبال قصيدة النثر الفرنسية في الشعر العربي الحديث، والتحولات الحاصلة في مبنى القصيدة العربية إثر ذلك. أو دراسة انتقال القصة القصيرة جداً من الأدب الغربي إلى الأدب العربي بوصفها محاولة للبحث عن نوع سردي جديد، وغيرها من الموضوعات.
التنافذ بين الأدب والفنون والعلوم
إن ما يمكن إضافته ضمن هذا المجال في ضوء التوسعة المنهجية المتحققة من قبل المدرسة النقدية، هو دراسة أشكال التنافذ والتأثير المتبادل بين الأجناس الأدبية أو بين الأدب والفنون المختلفة، وكذلك حين تدرس علاقة الأدب أو أحد أجناسه بمقولات علم النفس أو ببعض المفاهيم الفلسفية، أو المقارنة ما بين معالجة الأدب لمشكلة إنسانية ما ومعالجة علم الاجتماع للمشكلة ذاتها، وهو ما يعني خروج الدراسات المقارنة عن حدود الدراسة التاريخية المقارنة التي تصدر عن متابعة اتجاهي العلاقات الأدبية بين الآداب المختلفة تأثيراً وتأثراً، لتصبح المقارنة ممكنة ما بين الآداب والفنون الأخرى ضمن ميادين الأدب المقارن عبر دراسة إفادة كل طرف من الآخر بعض تقنياته وأساليبه.
وقد أضافت هذه التوسعة المنهجية إلى عدة الباحث المقارن مستلزمات جديدة، لعل من أهمها : أن يحرص الباحث المقارن على إثراء ثقافته ومعرفته بمختلف المعارف والعلوم والفنون، إذ تتطلب دراسة العلاقة ما بين الشعر والفن التشكيلي أو السينمائي مثلاً معرفةً دقيقةً وواسعةً بجماليات هذين الفنين وتقنياتهما، و الخصائص المشتركة، التي تيسر التنافذ ما بينهما. وعليه أن يكون قريباً جداً من التطورات الحاصلة في مناهج النقد الأدبي الحديث ومستوعباً لها، ليجدد أدواته النقدية في قراءة النصوص والكشف عن جمالياتها، ومستويات أبنيتها الداخلية.
فعلى سبيل المثال يسعى الأديب عبر الإفادة من علاقات التجاور والتنافذ ما بين الفنون والأجناس الأدبية المختلفة بعامة، وما بين الشعر والفن التشكيلي بخاصة إلى خلق مناخ تشكيلي يراعى فيه البعد المكاني للمفردة والحرص في توزيع المفردة اللونية بطريقة تحقق إثراءً لدلالة النص بأكمله، ولا يتم ذلك إلا من خلال فهم جماليات الفن التشكيلي والعلاقات التي تربط عناصره ببعضها، وهو ما لا يشترط في الفن التشكيلي فحسب، بل وفي الفنون والأجناس الأدبية الأخرى. ومن هذه الدقة في التعامل مع العنصر التشكيلي يجب على الأديب أن يشرع في إفادته من تقنيات هذا الفن في نصه الأدبي، وعلى الناقد المقارن أن يكشف عن تقنيات التوظيف وآلياته التي حققها التداخل ما بين الفنين المختلفين.
الأدب المقارن وفق المدرسة التاريخية
أما طريقة دراسة الأجناس الأدبية دراسة مقارنة على وفق رؤية المدرسة التاريخية، فيمكن أن تتخذ الخطوات التالية: (ينظر: الأدب المقارن : ماريوس فرنسوا غويار).
فأولا يجب تحديد جنس العمل الأدبي، في ضوء أسلوبه وتقنياته وعناصر بنائه الفني. وثانيا يجب إثبات التأثير تاريخياً، وهو قد يكون مباشراً أو غير مباشر، وتتطلب هذه الخطوة من الباحث المقارن جهداً كبيراً إن لم يكن الأديب المتأثر قد صرح بعلاقته بالمؤثر.
وثالثا وجوب دراسة مدى التأثر وحركته وتجلياته في النص، وما إذا كانت ملامح النص المؤثر واضحة، وحضوره بارزاً في النص المتأثر أم عمد الكاتب إلى إخفاء ذلك بطريقة إبداعية.
وهنا سيكون للبعد التاريخي في رصد العلاقات ما بين الأجناس المختلفة الأولوية في التناول النقدي، وتكون هذه العلاقات مشروطةً باختلاف الآداب التي تنتمي إليها النصوص المدروسة، فضلاً عن واقعية الصلة ما بينها، وثبوتها تاريخياً.

نشرت في الولاية العدد 101

مقالات ذات صله