السوق الكبير في النجف الاشرف

أرشد رؤوف  قسام

لكل مدينة من مدن العراق معلم تجاري مهم يشار اليه عند ذكر الشواخص التراثية والحضارية لتلك المدينة، وفي النجف الأشرف تميز خاص حيث ان لكل محلة من محلاتها سوق عالمي سمي باسم تلك المحلة او الطرف ويكون جامع لكل الاحتياجات والمهن وان كان هنالك انفراد في صنعة ما ألا ان السوق الكبير اصبح سوقا رئيسيا ومعلما حضاريا للمدينة لما يتمتع به من مساحة كبيرة نوعا ما ولشموله لأغلب الحرف والاصناف التجارية اضافة الى موقعه الجغرافي المهم بالنسبة للمدينة حيث يمتد هذا السوق من ساحة الميدان حتى يصل الى مقابل باب الصحن العلوي الشريف المسمى بباب الساعة والذي يعرف عند العامة من اهل النجف بباب السوق الكبير ويبلغ طول هذا السوق تقريبا 550متر، وتتفرع على جانبيه ثمانية فروع ويمثل كل فرع من هذه الفروع سوقا متخصصا فمثلا:
1- عكد السيف وهو سوق الصفافير (الصفارين) والحدادين وكذلك خياطة الخيم
2- عكد (اليهودي) وهو متخصص بصناعة الاحذية وبيعها ويسمى اليوم عكد الشبيبي.
3- سوق القصابين وهو متخصص بمحلات القصابية وبيع اللحوم.
4- سوق الصاغة (الصياغ) وهو سوق الذهب وتصنيعه
5- سوق التجار حيث باعة الاقمشة المختلفة والاكفان
6- سوق العبايجية وهو سوق متخصص بصناعة العباءة الرجالية والعقل.
7- سوق المسابح ويختص بمحلات التوابل والبهارات وكانت سابقا فيه محلات الدبس والراشي وغيرها من الصناعات الغذائية.
8- سوق ابو الريحة (سوق العطور) ويختص ببيع انواع العطور، كما تتوزع على جانبي السوق بما يسمى القيصيرات (قيسرية) وهي عبارة عن مجموعة محلات لها مدخل واحد من السوق الكبير وايضا لها تخصصات مختلفة وهي بالحقيقة كانت خانات سابقا ومثال على تلك القيصريات المتعددة (قيصرية ابن معلة) (وقيصرية ابن شمسة) (وقصيرية عبد علي ناجي) وقيصريات اخرى غيرها وهي تشكل اسواق صغيرة بمفردها.
كما ان محلات السوق الكبير الرئيسية تتوزع اليوم وعلى طول السوق بين محلات الصاغة ومحلات الحقائب والصناعات الجلدية ومحلات الاجهزة الكهربائية والهواتف النقالة والكماليات والاقمشة الرجالية والنسائية ومحلات العطور والساعات اضافة الى المحابس والخواتم الفضية والاحجار الكريمة مع محلات بيع الدهين المنتشرة في السوق كما توجد فروع متخصصة للصرافة وبيع وشراء العملة، لذلك يشكل اليوم عصبا اقتصاديا للمدينة لما يستقطبه من زائرين عراقيين واجانب حيث يزورون السوق ويتبضعون منه عند اكمال زيارتهم للمرقد الشريف للإمام علي عليه السلام.
ان شكل السوق الحالي لا يتجاوز عمره السبعين عاما فقد تشير بعض المصادر الى عمر هذا السوق او شق على هيأة سوق منذ ما يقارب مئة عام لكن هو اصلا يعد الخط الفاصل بين طرفي البراق والمشراق وقبل ان يخط بهذا العرض كانت الدكاكين تابعة للطرفين المتداخلين المشراق والبراق، إذ ان المناطق والطرق والاسواق المهمة كانت تتطور بنمو المدينة السكاني وتزايد عدد الزائرين والوافدين للمدينة حيث في كل فترة يزال سور من اسوار المدينة للتوسع ثم تزاح المقابر ويكون توسعها باتجاه الشمال في المدينة وهكذا شمل التوسع والعمران شوارع المدينة وحول الصحن الشريف وكذلك السوق الكبير للمدينة، ولو ان تاريخيا اقتصر السوق على خانات لمبيت الزائرين وحفظ الامتعة وكذلك مخازن للحبوب وشمل السوق ايضا على المدارس الدينية وبعض المقابر وعدد من المساجد وكذلك المقاهي لاستراحة الزائرين اضافة الى وجود اماكن مخصصة لربط الخيول وغالبا ما كانت باتجاه محلة المشراق والاعتقاد بان جاءت التسمية محلة الرباط كجزء من محلة المشراق لهذا السبب.
وقد اشار ابن بطوطة الرحالة المعروف عندما زار النجف الاشرف سنة 770هـ بأول اشارة لوجود مثل هذا السوق او النواة الاولى لوجوده حيث ذكر في وصف رحلته الى النجف الاشرف ما رآه من اسواق عامرة ومتخصصة من جملتها (سوق العطارين) التي تعني صيادلة الاعشاب الطبية والبقالين وباعة الفواكه والقيسرية التي هي الخان الذي يحتوي على عدد من المحلات.
السوق بوصفه العام يعتبر جامع بين الطراز القديم والمعاصر الا ان وجوده قرب ضريح الامام علي عليه السلام اعطاه رونقا وجمالا بطابع اخر ويبدو ان بناءه مشابه الى حد ما بناء الاسواق العثمانية فسقفه مغطى بألواح معدنية وهيكل كان سابقا من الخشب الا انه جدد اكثر من مرة وكان الاعمار الاخير في نهاية الثمانينات من القرن السابق حيث جدد السقف بأشرطة معدنية جديدة.
وعلى كل حال هناك وقفة اخرى نتحدث بها عن السوق الكبير وبتفاصيل اكثر عن تاريخه وذكر بعض شواخصه المهمة لاسيما المدراس الدينية والمساجد كما وسنذكر بداية السوق الكبير من جهة الميدان حيث كانت ساحة ولها تفرعات مهمة وباتجاهات عديدة وكان اخر التغييرات التي طرأت على ساحة الميدان وبداية سوق الكبير هو انشاء النفق الذي ضم اضافة الى طريق السيارات ومرآب كانت هنالك مجموعة محلات صنعت بشكل دائري، وقد اختصت في اغلبها على محلات لبيع الملابس والكماليات، وقد ازيل هذا النفق بعد عام 2003 ليكون ساحة فيها بعض الحدائق وطريق يؤدي الى مدخل السوق الكبير، كما ان من الشواخص المهمة التي تذكر في بداية السوق الكبير كانت بناية البريد (دائرة البريد والهاتف) قديما وكانت هنالك بعض المقاهي المعروفة عند اهل النجف الى اليوم.

نشرت في الولاية العدد 102

مقالات ذات صله